وأصحابه؛ إذ تبرؤوا من قومهم وعادوهم، وقالوا لهم: ﴿إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ﴾. قال الفراء فكأنه يقول: أفلا تأسيت - يا حاطب - بإبراهيم حين تبرأ من أهله، ولتعلم أن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرا الإيمان.
قوله تعالى: ﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نهاهم عن موالاة الكفار وإلقاء المودة إليهم، وضرب لهم المثل بإبراهيم وقومه حملهم ذلك على أن يظهروا براءتهم من أقربائهم والتشدد في معاداتهم ومقاطعتهم، وكان ذلك عزيزًا على نفوسهم ويتمنون أن يجدوا المخلص منه.. أردف ذلك سبحانه أنه سيغير من طباع المشركين ويغرس في قلوبهم محبة الإِسلام، فيتم التواد والتصافي بينكم وبينهم، وفي ذلك إزالة الوحشة من قلوب المؤمنين، وتطييب لقلوبهم. وقد أنجز الله وعده، فأتاح للمسلمين فتح مكة، فأسلم قومهم وتمّ لهم ما كانوا يريدون من التحاب والتواد. ثم رخص لهم في صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار ولم يخرجوهم من ديارهم، ولم يظاهروا على إخراجهم.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ...﴾ الآيات، سبب نزولها: ما أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما: أن سارة - التي كانت مغنية ونائحة بمكَّة - أتت المدينة تشكو الحاجة، فأمر رسول الله - ﷺ - بني عبد المطلب أن يعطوها ما يدفع حاجتها، فأعطوها نفقة وكسوة وحملوها، فجاءها حاطب بن أبي بلتعة - مولى عبد الله بن حميد بن عبد العزى - فأعطاها عشرة دنانير، وكتب معها كتابًا - إلى أهل مكة، هذا صورته: من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة: إن رسول الله - ﷺ - يريدكم، فخذوا حذركم. فأخبره جبرئيل به، فبعث إليها عليًا وعمارًا وطلحة والزبير والمقداد وأبا مرشد - وكانوا فرسانًا - وقال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ - موضع - فإن بها ظعينة امرأة معها كتاب من حاطب إلى أهل مكة، فخذوه منها وخلوها، فإن أبت.. فاضربوا عنقها. فأدركوها، فجحدت وحلفت فهموا بالرجوع، فقال علي: والله ما كذبنا ولا كذب رسول الله - ﷺ -، وسل سيفه وقال لها: أخرجي الكتاب أو ألقي ما معك من الثياب، فأخرجته من


الصفحة التالية
Icon