أصدقاء لأنفسكم، مفعول ثان. وأضاف (١) سبحانه العدوّ إلى نفسه تعظيمًا لجرمهم. والعدو مصدر يطلق على الواحد والاثنين والجماعة. والآية تدل على النهي عن موالاة الكفار ومصادقتهم بوجه من الوجوه. وقد تقدم ذكر القصة التي نزلت فيها الآية، وفي تلك القصة إشارة (٢) إلى جواز هتك ستر الجواسيس وهتك أستار المفسدين إذا كان فيه مصلحة أو في ستره مفسدة، وأن من تعاطى أمرًا محظورًا ثم ادعى له تأويلًا محتملًا.. قبل منه، وأن العذر مقبول عند كرام الناس.
روي: أن حاطبًا - رضي الله عنه - لما سمع: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ غشي عليه من الفرح بخطاب الإيمان، لما علم أن الكتاب المذكور ما أخرجه عن الإيمان؛ لسلامة عقيدته. ودل قوله: ﴿وَعَدُوَّكُمْ﴾ على إخلاصه؛ فإن الكافر ليس بعدو للمنافق بل للمخلص.
﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: توصلون إلى أولئك الأعداء ﴿بِالْمَوَدَّةِ﴾؛ أي: بالمحبة بالكتاب. والمودة: محبة الشيء وتمني كونه، ويستعمل في كل واحد من المعنيين. أي: توصلون محبتكم بالمكاتبة ونحوها من الأسباب التي تدل على المودة، على أن الباء زائدة في المفعول، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾. أو تلقون إليهم أخبار النبي - ﷺ - وأسراره بسبب المودة، التي بينكم وبينهم. فيكون المفعول محذوفًا للعلم به، والباء للسببية، والجملة حال من فاعل ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾؛ أي: لا تتخذوهم أولياء حال كونكم ملقين المودة إليهم. ويجوز (٣) أن تكون الجملة مستأنفة لقصد الإخبار بما تضمنته، أو لتفسير موالاتهم إياهم. ويجوز أن تكون في محل نصب صفة لأولياء. وفي "فتح الرحمن": بدأه هنا بـ ﴿تُلْقُونَ﴾ وفيما سيأتي بـ ﴿تُسِرُّونَ﴾ تنبيهًا بالأول على ذم مودة الأعداء جهرًا وسرًا، وبالثاني على تأكيد ذمها سرًا، وخص الأول بالعموم لتقدمه.
فإن قلت (٤): قد نهوا عن اتخاذهم أولياء مطلقًا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ﴾، والتقييد بالحال يوهم جواز اتخاذهم أولياء إذا

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) الشوكاني.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon