انتفى الحال.
قلت: عدم جوازه مطلقًا لما علم من القواعد الشرعية تبين أنه لا مفهوم للحال هنا ألبتة.
فإن قلت: كيف قال: ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ والعداوة والمحبة لكونهما متنافيين لا يجتمعان في محل واحد، والنهي عن الجمع بينهما فرع إمكان اجتماعهما؟
قلت: إنما كان الكفار أعداء للمؤمنين بالنسبة إلى معاداتهم لله ورسوله، ومع ذلك يجوز أن يتحقق بينهم الموالاة والصداقة بالنسبة إلى الأمور الدنيوية والأغراض النفسانية، فنهى الله عن ذلك.
وجملة قوله: ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ﴾ حال من فاعل ﴿تُلْقُونَ﴾ أو من فاعل ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾، ويجوز أن تكون مستأنفة لبيان حال الكفار. و ﴿الْحَقِّ﴾ هو القرآن، أو دين الإِسلام، أو الرسول - ﷺ -.
وقرأ الجمهور (١) ﴿بِمَا جَاءَكُمْ﴾ بالباء الموحدة. وقرأ الجحدري والمعلى عن عاصم ﴿لما جاءكم﴾ باللام مكان الباء. أي: لأجل ما جاءكم من الحق، على حذف المكفور به. أي: كفروا بالله والرسول لأجل ما جاءكم من الحق، أو على جعل ما هو سبب للإيمان سببًا للكفر توبيخًا لهم.
والمعنى (٢): يا أيها الذين آمنوا لا تجعلوا الكفار أنصارًا وأعوانًا وأصدقاه لكم، حال كونكم توصلون إليهم أخبار الرسول - ﷺ - التي لا ينبغي لأعدائه أن يطلعوا عليها، من خطط حربية أو أعمال نافعة في نشر دِينه وبث دعوته، بسبب ما بينكم وبينهم من مودة.
ثم ذكر مما يمنع هذا الاتخاذ أمرين:
١ - ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ...﴾ إلخ. أي: والحال أنهم قد كفروا بالله ورسوله، وكتابه الذي أنزله عليكم، فكيف بكم بعد هذا تجعلونهم أنصارًا وتسرون إليهم بما ينفعهم ويضر رسولكم ويعوق نشر دينكم!؟
(٢) المراغي.