٢ - ﴿يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ﴾ حال من فاعل كفروا؛ أي: كفروا مخرجين الرسول وإياكم من مكة. والمضارع لاستحضار الصورة الماضية.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ تعليل للإخراج. أي: يخرجونكم لأجل إيمانكم، أوراهة أن تؤمنوا. وفيه (١) تغليب المخاطب على الغائب. أي: على الرسول. والالتفات من التكلم إلى الغيبة، حيث لم يقل: أن تؤمنوا بي للإشعار بما يوجب الإيمان من الألوهية والربوبية؛ أي: يخرجون الرسول وأصحابه من بين أظهرهم، كراهة لما هم عليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، ولم يكن لهم جريمة سوى ذلك. وفي هذا تهييج لهم على عداوتهم وعدم موالاتهم.
ثم زادهم تهييجًا بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ﴾ من مكة إلى المدينة ﴿جِهَادًا فِي سَبِيلِي﴾ ونشر ديني ﴿وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي﴾؛ أي: وطلبًا لمرضاتي. وهذا مرتبط بـ ﴿لَا تَتَّخِذُوا﴾، وجواب الشرط محذوف؛ أي: إن كنتم كذلك.. فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء، فكأنه قيل: لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي. وانتصاب ﴿جِهَادًا﴾. ﴿وَابْتِغَاءَ﴾ على أنهما مفعولان لأجله لـ ﴿خَرَجْتُمْ﴾. أي: إن كنتم خرجتم عن أوطانكم لأجل هذين.. فلا تتخذوهم أولياء، ولا تلقوا إليهم بالمودة. أو على الحال؛ أي (٢): إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي باغين مرضاتي عنكم.. فلا توالوا أعدائي وأعداءكم، وقد أخرجوكم من دياركم حنقًا عليكم وسخطًا لدينكم. والجهاد - بالكسر -: القتال مع العدو، كالمجاهدة، كما سيأتي بسطه. والمرضاة: مصدر كالرضا. وفي عطف ﴿وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي﴾ على ﴿جِهَادًا فِي سَبِيلِي﴾ تصريح بما علم التزامًا. فإن الجهاد في سبيل الله إنما هو لإعلاء دين الله لا لغرض آخر. وإسناد الخروج إليهم معللًا بالجهاد والابتغاء يدل على أن المراد من إخراج الكفرة كونهم سببًا لخروجهم بأذيتهم لهم، فلا ينافي تلك السببية كون إرادة الجهاد والابتغاء علة له.
وقوله: ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ﴾ والنصيحة، استئناف وارد على (٣) نهج العتاب والتوبيخ، كأنهم سألوا: ماذا صدر عنا حتى عوتبنا؟ فقيل: تلقون إليهم بالمودة سرًا على أن الباء صلة جيء بها لتأكيد التعدية، أو الإخبار بسبب المودة، ويجوز أن يكون تعدية الإسرار بالباء لحمله على نقيضه الذي هو الجهر. وقيل: هو بدل من
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.