قوله: ﴿تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ﴾ بدل بعض لأن إلقاء المحبة يكون سرًا وجهرًا.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ﴾ حال من فاعل ﴿تُسِرُّونَ﴾؛ أي: تسرون إليهم بالمودة والنصيحة، والحال أني أعلم منكم ﴿بِمَا أَخْفَيْتُمْ﴾؛ أي: بما أضمرتم في صدوركم من مودة الأعداء ﴿وَمَا أَعْلَنْتُمْ﴾؛ أي: وما أظهرتم بألسنتكم من الاعتذار وغير ذلك. فإذا علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي.. فأي فائدة في الإسرار والاعتذار. والباء في ﴿بِمَا﴾ زائدة، يقال: علمت كذا، وعلمت بكذا. وهذا على أن ﴿أَعْلَمُ﴾ مضارع. وقيل: هو أفعل تفضيل. أي: أعلم من كل أحد بما تخفون وما تعلنون.
ثم توعد من يفعل ذلك، وشدد النكير عليه، وذكر ما فيه أعظم الزجر، فقال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ﴾؛ أي: يفعل الاتخاذ المنهي عنه. أي: ومن يفعل ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها المؤمنون ما نهيت عنه من موالاتهم. والأقرب عَوْدُ الضمير إلى الإسرار. أي: ومن يفعل إسرار النصيحة للكفار ﴿فَقَدْ ضَلَّ﴾ وأخطأ ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾؛ أي: طريق الحق والصواب الموصل إلى الفوز بالسعادة الأبدية. وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف. و ﴿ضَلَّ﴾ متعد، و ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ مفعوله. ويجوز أن يجعل قاصرًا وينتصب ﴿سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ على الظرفية.
قال القرطبي (١): هذا كله معاتبة لحاطب وهو يدل على فضله ونصيحته لرسول الله - ﷺ - وصدق إيمانه، فإن المعاتبة لا تكون إلا من حبيب لحبيب كما قيل من الوافر:
إِذَا ذَهَبَ الْعِتَابُ فَلَيْسَ وُدٌّ | وَيَبْقَى الْوُدُّ مَا بَقِيَ الْعِتَابُ |
وفي الآية (٢) إشارة إلى عداوة النفس والهوى والشيطان، فإنها تبغض عبادة الله، وتبغض عباد الله أيضًا إذا لم يكونوا مطيعين لها في إنفاذ شهواتها وتحصيل
(٢) روح البيان.