٣ - ثم ذكر أن ما جعلوه سببًا من المحافظة على الأهل والأولاد لا ينبغي أن يقدم على شؤون الذين، فقال: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿أَرْحَامُكُمْ﴾؛ أي: قراباتكم ﴿وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ الذين توالون المشركين لأجلهم. وتتقربون إليهبم محاماة عليهم. جمع ولد، بمعنى: المولود، يعم الذكر والأنثى. وخصهم بالذِّكر (١) مع دخولهم في الأرحام لمزيد المحبة لهم والحنو عليهم. ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ بجلب نفع أو دفع ضر. ظرف لقوله: ﴿لَنْ تَنْفَعَكُمْ﴾، فيوقف عليه ويبتدأ بما بعده.
ثم بين السبب في عدم نفعهم، فقال: ﴿يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ﴾ استئناف لبيان عدم نفع الأرحام والأولاد يومئذ. أي: يفرق الله بينكم بما اعتراكم من الهول الموجب لفرار كل منكم من الآخر. حسبما نطق به قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤)﴾ الآية. فما لكم ترفضون حق الله تعالى أي فكيف ترفضون أوامر الله تعالى لمراعاة حق من يفر منكم غدًا؟. وقيل: يفرق بين الوالد وولده وبين القريب وقريبه، فيدخل أهل طاعته الجنة، وأهل معصيته النار.
والمعنى (٢): أن هؤلاء لا ينفعونكم حتى توالوا الكفار لأجلهم، كما وقع في قصة حاطب بن أبي بلتعة، بل الذي ينفعكم هو ما أمركم الله به من معاداة الكفار وترك موالاتهم. وقيل: الظرف متعلق بما بعده؛ أي: يفصل بينكم يوم القيامة.
ثم أوعد من يفعل ذلك، فقال: ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون: ﴿بَصِيرٌ﴾ سميع، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وأقوالكم فيجازيكم على ذلك. وهو أبلغ من خبير؛ لأنه جعله كالمحسموس بحاسة البصر، مع أن المعلوم هنا أكثره المبصرات من الكتاب والإتيان بمن يحمل الكتاب وإعطاء الأجرة للحمل وغيرها، فهو تعالى محيط بأعمالكم جميعها ومجازيكم عليها إن خيرًا.. فخير وإن شرًا فشر، فاتقوا الله في أنفسكم واحذروه.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿يَفْصَلُ﴾ بالياء مخففًا مبنيًا للمفعول. وقرأ الأعرج، وعيسى، وابن عامر كذلك، إلا أنه مشدد، والمرفوع إما: ﴿بَيْنَكُمْ﴾ وهو مبني على الفتح لإضافته إلى مبني، وإما ضمير المصدر المفهوم من ﴿يَفْصِلُ﴾؛ أي: يفصل

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon