أنت عليّ كظهر أمي.. ملحق في كلامه هذا للزوج بالأمّ، وجاعلها مثلها، وهذا تشبيه باطل لتباين الحالين، وكانوا يريدون بالتشبيه الحرمة في المُظَاهر منها كالحرمة في الأم تغليظًا وتشديدًا. فإن قيل: فحاصل الظهار مثلًا: أنت محرّمة عليّ كما حرمت علي أمي، وليس فيه دعوى الأمومة حتى تنفى وتثبت للوالدات.. يقال: إن ذلك التحريم في حكم دعوى الأمومة، وأنّ المراد: نفي المشابهة، لكن نفي الأمومة للمبالغة فيه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أُمَّهَاتِهِمْ﴾ بالنصب على اللغة الحجازية في إعمال (ما) عمل (ليس). وقرأ أبو عمرو، والسلمي، والمفضل عن عاصم بالرفع على عدم الإعمال، وهي لغة نجد وبني أسد. وقرأ ابن مسعود ﴿بأمهاتهم﴾ بزيادة الباء.
ثم بيّن سبحانه لهم أمهاتهم على الحقيقة فقال: ﴿إن﴾ نافية بمعنى: (ما) ﴿أُمَّهَاتِهِمْ﴾ في الحقيقة والصدق ﴿إِلَّا اللَّائِي﴾ جمع التي، أي: ما أمهاتهم إلا النساء اللاتي ﴿وَلَدْنَهُمْ﴾؛ أي: ولدن المظاهرين، فلا تشبه بهن في الحرمة إلا من ألحقها الشرع بهن من أزواج النبي - ﷺ - والمرضعات، ومنكوحات الآباء لكرامتهن، وحرمتهن، فدخلن بذلك في حكم الأمهات، وأما الزوجات.. فأبعد شيء من الأمومة فلا تلحق بهنّ في وجه من الوجوه.
ثم زاد سبحانه في توبيخهم وتقريعهم، فقال: ﴿وَإِنَّهُمْ﴾؛ أي: وإن المظاهرين منكم ﴿لَيَقُولُونَ﴾ بقولهم ذلك ﴿مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ﴾؛ أي: فظيعًا قبيحًا من القول، ينكره الشرع، على (٢) أنَّ مناط التأكيد ليس صدور القول منهم فإنه أمر محقق، بل كونه منكرًا؛ أي: عند الشرع وعند العقل والطبع أيضًا، كما يشعر به تنكيره؛ وذلك لأنّ زوجته ليست بأمه حقيقة، ولا ممن ألحقه المثرع بها، فكان التشبيه بها إلحاقًا لأحد المتباينين بالآخر، فكان منكرًا مطلقًا غير معروف ﴿وَزُورًا﴾؛ أي: كذبًا باطلًا منحرفًا عن الحق. فإنّ الزور بالتحريك: الميل، فقيل للكذب: زور بالضم لكونه مائلًا عن الحق. قال بعضهم: ولعلَّ قوله: ﴿وَزُورًا﴾ من قبيل عطف السبب على المسبب.
(٢) روح البيان.