الباء وهمزة واحدة بعد ألف، جمع بريء أيضًا، كظريف وظراف، وكريم وكرام. وقرأ أبو جعفر: ﴿براء﴾ بضم الباء وهمزة بعد ألف كتؤام وظؤار. وهم اسم جمع، الواحد: بريء، وتؤم، وظئر. ورويت عن عيسى، قال أبو حاتم: زعموا أن عيسى الهمداني رووا عنه ﴿بَرَاء﴾ على وزن فدال كالذي في قوله تعالى: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ﴾ في الزخرف. وهو مصدر على فعال، يوصف به المفرد والجمع.
ثم فسر هذه البراءة بقوله: ﴿كَفَرْنَا بِكُمْ﴾؛ أي: أنكرنا دينكم فلا نعتد بشأنكم وبآلهتكم، فهو على حذف المضاف. والكفر مجاز عن عدم الاعتداد والجحد والإنكار، فإن الذين الباطل ليس بشيء؛ إذ الدِّين الحق عند الله هو الإِسلام. ﴿وَبَدَا﴾؛ أي: ظهر ﴿بَيْنَنَا﴾ ظرف لـ ﴿بدا﴾ ﴿وَبَيْنَكُمُ﴾: معطوف عليه ﴿الْعَدَاوَةُ﴾ الظاهرة، وهي: المباينة في الأفعال والأقوال. ﴿وَالْبَغْضَاءُ﴾؛ أي: العداوة الباطنة. وهي: المباينة بالقلوب. ﴿أَبَدًا﴾؛ أي: على الدوام. أي: هذا دأبنا معكم لا نتركه. والبغض: ضد الحب. ﴿حَتَّى﴾ غاية لـ ﴿بدا﴾. ﴿تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك، فتنقلب العداوة حينئذٍ ولاية، والبغضاء محبة، والمقت مِقة، والوحشة ألفة. فالبغض: نفور النفس من الشيء الذي ترغب عنه. والحب: انجذاب النفس إلى الشيء الذي ترغب فيه.
فإن قلت: ما وجه قوله ﴿حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ ولا بدّ في الإيمان من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر؟
قلت: الإيمان بالله في حال وحدته يستلزم الإيمان بالجميع، مع أن المراد الوحدة الإلهية ردًا للأصنام.
قال بعض المشايخ: أسوة إبراهيم: خلة الله، والتبرؤ مما سوى الله، والتخلق بخلق الله، والتأوه والبكاء من شوق الله. وقال ابن عطاء رحمه الله تعالى: الأسوة القدوة بالخليل في الظاهر من الأخلاق الشريفة، وهو: السخاء، وحسن الخلق، واتباع ما أمر به على الكرب، وفي الباطن: الإخلاص في جميع الأفعال، والإقبال عليه في كل الأوقات، وطرح الكل في ذات الله تعالى. وأسوة رسول الله - ﷺ - في الظاهر العبادات، دون البواطن والأسرار؛ لأن أسراره لا يطيقها أحد من الخلق؛ لأنه باين الأمة بالمكان ليلة المعراج ووقع عليه تجلي الذات. انتهى.


الصفحة التالية
Icon