بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا}. وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣)﴾.
٨ - ثم أباح لهم صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار، فقال: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ﴾ صلة ﴿الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ﴾؛ أي: على الدين، أو في حق الدِّين وإطفاء نوره ﴿وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ وأوطانكم؛ أي: لا ينهاكم الله سبحانه عن مبرة هؤلاء، فإن قوله تعالى: ﴿أَنْ تَبَرُّوهُمْ﴾ وتحسنوا إليهم بدل من (١) الموصول بدل اشتمال. لأن بينهم وبين البرّ ملابسة بغير الكلية والجزئية، فكان المنهي عنه برهم بالقول وحسن المعاشرة، والصلة، بالمال لا أنفسهم. وقوله: ﴿وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ تفسير لتبروا معطوف عليه. وضمن تقسطوا معنى الإفضاء، فعدي تعديته. أي: تفضوا إليهم بالقسط والعدل ولا تظلموهم، وناهيك بتوصية الله المؤمنين أن يستعملوا القسط مع المشركين ويتحاموا ظلمهم مترجمة عن حال مسلم يجترىء على ظلم أخيه المسلم كما في "الكشاف". ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾؛ أي: العادلين في المعاملات كلها.
ومعنى الآية (٢): أن الله سبحانه لا ينهر عن بر أهل العهد من الكفار الذين عاهدوا المؤمنين على ترك القتال وعلى أن لا يظاهروا الكفار عليهم، ولا ينهى عن معاملتهم بالعدل. قال ابن زيد: كان هذا في أول الإِسلام، عند الموادعة وترك الأمر بالقتال، ثم نسخ. قال قتادة: نسختها آية: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾. وقيل: هذا الحكم كان باقيًا في الصلح بين النبي - ﷺ - وبين قريش، فلما زال الصلح بفتح مكة.. نسخ الحكم. وقيل: هي خاصة في حلفاء النبي - ﷺ - ومن بينه وبينه عهد، قاله الحسن. وقال الكلبي: هم خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناف. وقال مجاهد: هي خاصة في الذين آمنوا ولم يهاجروا. وقيل: هي خاصة بالنساء والصبيان. وحكى القرطبي - عن أكثر أهل التأويل - أنها محكمة.

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon