بعلمه.
﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ بعد الامتحان الذي أمرتم به ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾ العلم الذي يمكنكم تحصيله، وهو: الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات. وإنما سماه علمًا إيذانًا بأنه جار مجرى العلم في وجوب العمل به، ففي ﴿عَلِمْتُمُوهُنَّ﴾ استعارة كما سيأتي. ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾: من المرجع (١)، بمعنى الرد، لا من الرجوع، ولذلك عدي إلى المفعول. وهذا هو الحكم الأول.
أي: فإن غلب على ظنكم إيمانهن بالحلف وغيره مما يورث اطمئنان قلوبكم على إسلامهن.. فلا تردوهن إلى أزواجهن المشركين.
ثم بيَّن العلة في النهي عن رجعهن إليهم بقوله: ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ﴾؛ أي: لا المؤمنات حلًّا للكفار. وقرأ طلحة: ﴿لا هن يحللن لهم﴾. ﴿وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾؛ أي: ولا الكفار يحلون للمؤمنات، يعني: لا تحل مؤمنة لكافر لشرف الإيمان، ولا نكاح كافر لمسلمة لخبث الكفر. والتكرير إما لتأكيد الحرمة، وإلا.. لكفى نفي الحل عن أحد الجانبين، أو لأن الأول لبيان زوال النكاح الأول، والثاني لبيان امتناع النكاح الجديد. ﴿وَآتُوهُمْ﴾: وهذا هو الحكم الثاني. أي: وأعطوا أزواجهن ﴿مَا أَنْفَقُوا﴾؛ أي: مثل ما دفعوا إليهن من المهور، وذلك (٢) - أي: بيان أن المراد بـ ﴿مَا أَنْفَقُوا﴾ هو المهور - أن النبي - ﷺ - صالح عام الحديبية كفار مكة على ترك الحرب، فأمر عليًا - رضي الله عنه - أن يكتب بالصلح، فكتب: باسمك اللهم، هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو، اصطلحوا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين، يأمن فيه الناس على أنفسهم وأموالهم، ويكف بعضهم عن بعض، على أن من أتى محمدًا من قريش بغير إذن وليه.. رده إليه، ومن جاء قريشًا من محمد.. لم يردوه إليه، وأن بيننا عيبة مكفوفة، وأن لا إسلال ولا إغلال، وأن من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده.. دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم.. دخل فيه. فرد رسول الله - ﷺ - أبا جندل بن سهيل، ولم يأتِ رسول الله - ﷺ - أحد من الرجال إلا ردّه في مدة العهد وإن كان مسلمًا، ثم جاءت المؤمنات مهاجرات، وكانت أولاهن: أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon