فقدم أخواها عمار والوليد فكلماه في أمرها ليردها إلى قريش، فنزلت الآية، فلم يردها - ﷺ - ثم أنكحها زيد بن حارثة.
ومن هذا تعلم: أن الآية بينت أن العهد الذي أعطي كان في الرجال دون النساء، ومن ثم لم يردهن حين جئن مؤمنات.
﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ وهذا هو الحكم الثالث؛ أي: لا ذنب ولا إثم عليكم أيها المؤمنون في ﴿أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ﴾؛ أي: تنكحوا المهاجرات وتتزوجوهن بعد الاستبراء والعدة، وإن كان لهن أزواج كفار في دار الكفر. فإن إسلامهن حال بينهن وبين أزواجهن الكفار، وقد صرن من أهل دينكم ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾؛ أي: أعطيتموهن ﴿أُجُورَهُنَّ﴾؛ أي: مهورهن. وذلك بعد انقضاء عدتهن، كما تدل عليه أدلة وجوب العدة.
﴿إِذَا﴾ (١): ظرفية محضة، أو شرطية جوابها محذوف دل عليه ما تقدمها، وشرط إيتاء المهر في نكاحهن إيذانًا بأن ما أعطي أزواجهن لا يقوم مقام المهر؛ لأن ظاهر النظم يقتضي إيتاءين: إيتاء إلى الأزواج، وإيتاء إليهن على سبيل المهر. وفي "التيسير": إذا التزمتم مهورهن، ولم يرد حقيقة الأداء، كما في قوله تعالى: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ﴾؛ أي: يلتزموها.
والمعنى (٢): أي ولا إثم عليكم ولا حرج في نكاح هؤلاء المؤمنات المهاجرات بشرط أن تتعهدوا بالمهور، وتلتزموا بأدائها. وإنما جاز لأن الإِسلام حال بينهن وبين أزواجهن الكفار فكان من المصلحة أن يكون لهن عائل من المؤمنين يكفل أمر أرزاقهن.
﴿وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾: وهذا هو الحكم الرابع؛ أي: ولا تأخذوا بعقود الكافرات غير الكتابيات؛ أي: لا يكن بينكم وبين المشركات عصمة ولا علاقة زوجية. والعصم: جمع عصمة، وهي ما يعتصم به، من عقد وسبب، والمراد بها هنا: النكاح. والكوافر: جمع كافر. والكوافر (٣): طائفتان من النساء، طائفة قعدت عن الهجرة وثبتت على الكفر في دار الحرب، وطائفة ارتدت عن الهجرة ولحقت
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.