بأزواجها الكفار. وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -: من كانت له امرأة كافرة بمكة.. فلا يُعدَّنَّ بها من نسائه؛ أي: لا ينبغي أن تبقى علاقة من علاقات الزوجية بين المؤمنين ونسائهم المشركات الباقيات في دار الشرك؛ لأن اختلاف الدين قطع عصمتها منه، فجاز له أن يتزوج بأربع سواها وبأختها من غير تربص وعدة؛ أي: لا تعتدوا بما كان بينكم وبينهن من العقد الكائن قبل حصول اختلاف الدين. وقال النخعي: هي المسلمة تلحق بدار الحرب فتكفر، فيكون قوله: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا﴾ بمقابلة قوله: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ يعني أن قوله: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ إلخ، إشارة إلى حكم اللاتي أسلمن وخرجن من دار الكفر، وقوله: ﴿وَلَا تُمْسِكُوا﴾ إلخ إشارة إلى حكم المسلمات اللاتي ارتددن وخرجن من دار الإِسلام إلى دار الكفر. انتهى.
وكان (١) الكفار يزوجون المسلمين، والمسلمون يتزوجون المشركات، ثم نسخ ذلك بهذه الآية. وهذا خاص (٢) بالكوافر المشركات دون الكوافر من أهل الكتاب. وقيل: عامة في جميع الكوافر، مخصصة بإخراج الكتابيات منها. وقد ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه إذا أسلم وثني أو كتابي... لا يفرق بينهما إلا بعد انقضاء العدة. وقال بعض أهل العلم: يفرق بينهما بمجرد إسلام الزوج. وهذا إنما هو إذا كانت المرأة مدخولًا بها. وأما إذا كانت غير مدخول بها.. فلا خلاف بين أهل العلم في انقطاع العصمة بينهما بالإِسلام؛ إذ لا عدة عليها.
وقرأ الجمهور (٣): ﴿تُمْسِكُوا﴾ بضم أوله مخففًا من أمسك الرباعي، كأكرم، وأختار هذه القراءة أبو عبيد؛ لقوله: ﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾. وقرأ أبو عمرو، ومجاهد بخلاف عنه، والحسن، وأبو العالية، وابن جبير، والأعرج: ﴿تُمسِّكوا﴾ مشدد، مضارع مسَّك المضعف. وقرأ الحسن أيضًا، وابن أبي ليلى، وابن عامر في رواية عبد الحميد، وأبو عمرو في رواية معاذ: ﴿تَمَسَّكُوا﴾ بفتح الثلاثة، مضارع تمسَّك الخماسي، من باب تفعل، حذفت منه إحدى التاءين، والأصل: تتمسكوا. وترأ الحسن أيضًا: ﴿تمسِكوا﴾ بكسر السين، مضارع مسك الثلاثي.
﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ﴾ وهذا هو الحكم الخامس؛ أي: واسألوا - أيها المؤمنون - الكفار، واطلبوا منهم ما أنفقتم على نسائكم المرتدات اللاحقات بالكفار من
(٢) الشوكاني.
(٣) البحر المحيط.