المفسرين.
وليس المعنى على نهيهن عن أن يأتين بولد من الزنا فينسبنه إلى الأزواج؛ لأن ذلك نهى عنه بقوله: ﴿وَلَا يَزْنِينَ﴾ بل المراد: نهيهن عن أن يلحقن بأزواجهن ولدًا التقطنه من بعض المواضع. وكانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هو ولدي منك في بطني الذي بين يدي ووضعته من فرجي الذي هو بين رجلي، فكنى عنه بالبهتان المفترى بين يديها ورجليها؛ لأن بطنها الذي تحمله فيه بين يديها ومخرجه بين رجليها.
والمعنى: ولا يجئن بصبي ملتقط من غير أزواجهن، فإنه افتراء وبهتان لهم. والبهتان من الكبائر التي تتصل بالشرك.
﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾؛ أي: ولا يخالفن أمرك فيما تأمرهن به وتنهاهن عنه، على أن المراد من المعروف: الأمور الحسنة التي عرف حسنها في الدين فيؤمر بها، والشؤون السيئة التي عرف قبحها فيه فينهى عنها. كما قيل: كل ما وافق طاعة الله فعلًا أو تركًا.. فهو معروف، وكما روي عن بعض أكابر المفسرين من أنه هو: النهي عن النياحة والدعاء بالويل، وتمزيق الثوب وحلق الشعر ونتفه ونشره، وخمش الوجه، وأن تحدث المرأة الرجال إلا ذا رحم محرم، وأن تخلو برجل غير محرم، وأن تسافر إلا مع ذي رحم محرم. فيكون هذا للتعميم بعد التخصيص. ويحتمل أن يكون المراد من المعروف: ما يقابل المنكر، ويكون ما قبله للنهي عن المنكر، وهذا للأمر بالمعروف لتكون الآية جامعة لهما.
والتقييد بالمعروف مع أن الرسول - ﷺ - لا يأمر إلا به للتنبيه على أنه لا تجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق، فإذا شرط ذلك في طاعة النبي - ﷺ -.. فكيف في حق غيره؟ وهو كقوله: ﴿إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، كما في "عين المعاني" فدل على أن طاعة الولاة لا تجب في المنكر. ولم يقل: ولا يعصين الله؛ لأن من أطاع الرسول.. فقد أطاع الله، ومن عصاه.. فقد عصى الله. وتخصيص الأمور المعدودة بالذكر في حقهن لكثرة وقوعها فيما بينهن مع اختصاص بعضها بهن. ووجه الترتيب بين هذه المنهيات: أنه قدم الأقبح على ما هو أدنى قبحًا منه ثم كذلك إلى آخرها، ولذا قدم ما هو الأظهر والأغلب فيما بينهن.


الصفحة التالية
Icon