وقال صاحب "اللباب": ذكر الله تعالى في هذه الآية لرسول الله - ﷺ - في صفة البيعة خصالًا ستًا هنّ أركان ما نهي عنه في الدين، ولم يذكر أركان ما أمر به، وهي أيضًا ست: الشهادة، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحجّ، والاغتسال من الجنابة. وذلك لأن النهي عنها دائم في كل زمان وفي كل حال، فكان التنبيه على اشتراط الدائم أهم وآكد.
﴿فَبَايِعْهُنَّ﴾: جواب لـ ﴿إِذَا﴾ الشرطية، فهو العامل فيها، فإن الفاء لا تكون مانعة. وهو أمر من المبايعة. أي: إذا بايعنك على ما ذكر، وما لم يذكر؛ لوضوح أمره وظهور أصالته في المبايعة من الصلاة والزكاة وسائر أركان الدين وشعائر الإِسلام.. فبايعهن بضمان الثواب على الوفاء بهذه الأشياء. فإن المبايعة من جهة الرسول هو الوعد بالثواب، ومن جهة الآخر التزام طاعته كما سبق. وتقييد مبايعتهن بما ذكر من مجيئهن لحثهن على المسارعة إليها مع كمال الرغبة فيها من غير دعوة لهن إليها. ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ﴾؛ أي: واطلب من الله سبحانه المغفرة لهن زيادة على ما في ضمن المبايعة من ضمان الثواب. والاستغفار: طلب المغفرة للذنوب والستر للعيوب. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: مبالغ في المغفرة والرحمة، فيغفر لهن ويرحمهن إذا وفين بما بايعن عليه.
والمعنى (١): أي أيها النبي: إذا جاءك النساء المؤمنات مقدمات لك الطاعة، ملتزمات أن لا يشركن بالله شيئًا من صنم أو حجر، ولا يسرقن من مال الناس شيئًا، ولا يزنين، ولا يئدن البنات كما كن يفعلن ذلك في الجاهلية، ولا يلصقن أولاد الأجانب بأزواجهن كذبًا وبهتانًا، ولا يعصينك فيما تأمرهن به أو تنهاهن عنه؛ كالنوح وتمزيق الثياب وجز الشعر وشق الجيوب وخمش الوجوه، وأن لا تخلو امرأة بغير ذي رحم محرم.. فبايعهن على ذلك، والتزم لهن الوفاء بالثواب إن هنّ أطعنكم في كل ذلك، واطلب لهن المغفرة من الله، إنه هو الغفور الرحيم لهن إذا وفين بما بايعن عليه.
قال ابن الجوزي: وجملة من أحصي من المبايعات: أربع مئة وسبع وخمسون امرأة. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (كان رسول الله - ﷺ - يبايع النساء

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon