فتخلصون وتفلحون. فعلى العاقل تبديل الفاني بالباقي، فإنه خير له. وروي: أنه جاء رجل بناقة مخطومة وقال: هذه في سبيل الله، فقال النبي - ﷺ -: "لك بها يوم القيامة سبع مئة ناقة، كلها مخطومة".
أي: هذا الإيمان والجهاد خير لكم من كل شيء، من نفس ومال، وولد، إن كنتم من أهل الإدراك والعلم بوجوه المنافع وفهم المقاصد، فإن الأمور إنما تتفاضل بغاياتها ونتائجها،
١٢ - ولهذه التجارة فوائد عاجلة وأخرى آجلة، وقد فصّل كلا الأمرين، وقدم الثانية فقال: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ في الدنيا، وهو جواب الأمر المدلول عليه بلفظ الخير، ويجوز أن يكون جوابًا لشرط أو لاستفهام دل عليه الكلام، تقديره: إن تؤمنوا وتجاهدوا.. يغفر لكم، أو هل تقبلون وتفعلون ما دللتكم عليه. وقال الفراء: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ جواب الاستفهام، فجعله مجزومًا لكونه جواب الاستفهام. وقد غلطه بعض أهل العلم؛ لأن مجرد الدلالة لا يوجب المغفرة. وقال الرازي في توجيه قول الفراء: إن ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ﴾ في معنى الأمر عنده، يقال: هل أنت ساكت؛ أي: اسكت. وبيانه: أن ﴿هَلْ﴾ بمعنى الاستفهام، ثم يتدرج إلى أن يصير عرضًا وحثًا بمعنى: ألا، والحث كالإغراء، والإغراء أمر.
وقرأ بعضهم بالإدغام (١) في ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾. والأولى ترك الإدغام؛ لأن الراء حرف متكرر فلا يحسن إدغامه في اللام.
﴿وَيُدْخِلْكُمْ﴾ في الآخرة ﴿جَنَّاتٍ﴾؛ أي: كل واحد منكم جنّة. ولا بعد من لطفه تعالى أن يدخله جنات؛ بأن يجعلها خاصة له داخلة تحت تصرفه. والجنة في اللغة: البستان الذي فيه أشجار متكاثفة مظللة تستر ما تحتها. ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت أشجارها. بمعنى (٢) تحت أغصان أشجارها في أصولها على عروقها، أو من تحت قصورها وغرفها. ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة في الجنة؛ من اللبن، والعسل، والخمر، والماء الصافي ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً﴾؛ أي: ويدخلكم مساكن طيبة ومنازل نزهة كائنة ﴿في جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾؛ أي: إقامة وخلود، بحيث لا يخرج منها من دخلها بعارض من العوارض. وهذا ظرف صفة مختصة بـ ﴿مساكن﴾.

(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon