قال الراغب: أصل الطيب: ما تستلذه الحواس. ومعنى ﴿مساكن طيبة﴾؛ أي: طاهرة زكية مستلذة. وقال بعضهم: طيبتها: سعتها ودوام أمرها.
﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: ما ذكر من المغفرة وإدخال الجنات المذكورة بما ذكر من الأوصاف الجميلة ﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي لا فوز وراءه، والظفر الذي لا ظفر يماثله.
والمعنى (١): إن فعلتم ذلك، فآمنتم بالله وصدقتم رسوله، وجاهدتم في سبيله.. ستر لكم ذنوبكم ومحاها، وأدخلكم فراديس جنانه، وأسكنكم مساكن تطيب لدى النفوس وتقرّ بها العيون في دار الخلد الأبدي، وهذا منتهى ما تسمو إليه النفوس من الفوز الذي لا فوز بعده. قال (٢) بعض المفسرين: الفوز يكون بمعنى النجاة من المكروه، وبمعنى الظفر بالبغية، والأول يحصل بالمغفرة، والثاني بإدخال الجنة والتنعيم فيها، وعظمه باعتبار أنه نجاة لا ألم بعده، وظفر لا نقصان فيه، شأنًا وزمانًا ومكانًا؛ لأنه في غاية الكمال على الدوام في مقام النعيم.
واعلم: أن الآية الكريمة أفادت أن التجارة دنيوية وأخروية، فالدنيا موسم التجارة والعمر مدتها، والأعضاء والقوى رأس المال، والعبد هو المشتري من وجه والبائع من وجه، فمن صرف رأس ماله إلى المنافع الدنيوية التي تنقطع عند الموت.. فتجارته دنيوية كاسدة خاسرة، وإن كان تحصيل علم دين أو كسب علم صالح فضلًا عن غيرهما، فإن الأعمال بالنيات ولكل امرىء ما نوى، ومن صرفه إلى المقاصد الأخروية التي لا تنقطع أبدًا.. فتجارته رائجة رابحة، حرية بأن يقال: ﴿فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ﴾. وذلك هو الفوز العظيم.
ولعل المراد من التجارة هنا (٣): بذل المال والنفس في سبيل الله، وذكر الإيمان لكونه أصلًا في الأعمال ووسيلة في قبول الآمال. وتوصيف التجارة بالإنجاء لأن النجاة يتوقف عليها الانتفاع، فيكون قوله: ﴿يَغْفِرْ لَكُمْ﴾ ببيان سبب الإنجاء، وقوله: ﴿وَيُدْخِلْكُمْ﴾ بما يتعلق به بيان المنفعة الحاصلة من التجارة، مع أن التجارة الدنيوية تكون سببًا للنجاة من الفقر المنقطع، والتجارة الأخروية تكون سببًا
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.