والخلاصة: أي ولكم مع هذا المذكور فوز آخر في الدنيا بنصركم على عدوكم، وفتحكم للبلاد، وتمكينكم منها حتى تدين لكم مشارق الأرض ومغاربها. وقد أنجز الله سبحانه وعده، فرفعت الراية الإِسلامية على جميع المعمور من العالم في زمن يسير لم يعهد التاريخ نظيره، وامتلكوا بلاد القياصرة والأباطرة، وساسوا العالم سياسة شهد لهم بفضلها العدو قبل الصديق.
وقرأ الجمهور (١): ﴿نَصْرٌ﴾ بالرفع، وكذا، ﴿وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾. وقرأ ابن أبي عبلة (٢) بالنصب فيها ثلاثتها، ووصف أخرى بـ ﴿تُحِبُّونَهَا﴾؛ لأن النفس قد وكلت بحب العاجل.
١٤ - ثم أمرهم بأن يكونوا أنصار الله في كل حين، فلا يتخاذلوا ولا يتواكلوا، فيكتب لهم النصر على أعدائهم كما فعل حواريو عيسى، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله ﴿كُونُوا﴾ جميعًا ﴿أَنْصَارَ اللَّهِ﴾؛ أي: أنصار دِينه. جمع نصير، كشريف وأشراف.
وقرأ الحرميان (٣) - نافع وابن كثير - وأبو عمرو والأعرج وعيسى ﴿أنصارًا لله﴾ بالتنوين وترك الإضافة. وقرأ الحسن، والجحدري، وباقي السبعة بالإضافة إلى الله وترك التنوين، والرسم يحتمل القراءتين معًا، واختار أبو عبيدة قراءة الإضافة؛ لقوله: ﴿نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ بالإضافة؛ أي: دوموا على نصرة دين الله وإعلاء كلمته، وقولوا: نحن أنصار الله إذا قال لكم نبيكم محمد - ﷺ -: من أنصاري إلى الله ﴿كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾؛ أي: إذا قال لكم قولًا مثل قول عيسى ﴿لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾؛ أي: من جندي وأعواني متوجهًا إلى نصرة دين الله. فـ ﴿اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ﴾ سبحانه وأعوان دِينه. وفي "فتح الرحمن": ظاهره تشبيه كونهم أنصار الله بقول عيسى عليه السلام: ﴿مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ وليس مرادًا.
قلت: التشبيه محمول على المعنى، تقديره: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصارًا لعيسى حين قال لهم: من أنصاري إلى الله. وإنما قلنا في الحل: مَنْ جندي متوجهًا إلى نصرة الله كما يقتضيه قوله تعالى: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon