اللَّهِ}؛ لأن (١) قول عيسى لا يطابق جواب الحواريين بحسب الظاهر، فإن ظاهر قول عيسى يدل على أنه يسأل من ينصره، فكيف يطابقه جواب الحواريين بأنهم ينصرون الله وأيضًا لا وجه لبقاء قول عيسى على ظاهره؛ لأن النصرة لا تتعدى بإلى، فحمل الأنصار في سؤاله على الجند؛ لأنهم ينصرون ملكهم ويعينونه في مراده، ومراده عليه السلام نصرة دين الله، فسأل من يتبعه ويعينه في ذلك المراد، ويشاركه فيه. فقولنا: (متوجهًا) حال من ياء المتكلم في جندي، و ﴿إلى﴾ متعلق به لا بالنصرة، والإضافة الأولى إضافة أحد المتشاركين إلى الآخر لما بينهما من الاختصاص، أعني: الملابسة المصححة للإضافة المجازية، لظهور أن الاختصاص الذي تقتضيه الإضافة حقيقة غير متحقق في إضافة ﴿أَنْصَارِي﴾. والإضافة الثانية إضافة الفاعل إلى المفعول، والتشبيه باعتبار المعنى. أي: كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم: من أنصاري إلى الله، أو قل لهم كما قال عيسى للحواريين. وقيل: التقدير: من أنصاري فيما يقرب إلى الله؟
وقصارى ذلك (٢): كونوا أنصار الله في جميع أعمالكم وأقوالكم وأنفسكم وأموالكم كما استجاب الحواريون لعيسى. والحواريون هم أنصار عيسى، وخلص أصحابه، وأول من آمن به، وكانوا اثني عشر رجلًا. قال بعض العلماء: إنما سموا حواريين لصفاء عقائدهم عن التردد والتلوين، أو لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدِّين والعلم المشار إليه بقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ من الحَوَرِ، وهو البياض الخالص.
﴿فـ﴾ لمَّا بلَّغ عيسى عليه السلام رسالة ربه إلى قومه، ووازره من الحواريين من وازره ﴿آمَنَتْ﴾ واهتدت ﴿طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾؛ أي: جماعة منهم بما جاءهم به؛ أي: آمنوا بعيسى وأطاعوه فيما أمرهم به من نصرة الدين ﴿وَكَفَرَتْ﴾؛ أي: ضلت ﴿طَائِفَةٌ﴾ أخرى، وجحدوا به، وقاتلوه. وهم الذين أضلهم بولس. وذلك (٣) أنه لما رفع عيسى إلى السماء.. تفرق قومه ثلاث فرق:
فرقة تقول: كان عيسى هو الله، فارتفع.
(٢) المراغي.
(٣) المراح.