النار إلا أيامًا معدودات؛ بأنه لو كان ما تقولونه حقًا، لتمنيتم الموت حتى تخلصوا من هذه الدار دار الأكدار وتذهبوا إلى دار النعيم، وإنكم لن تفعلوا ذلك، فأنتم كاذبون فيما تدعون، ولم تفرون منه وهو ملاقيكم ولا محالة، وهناك ترجعون إلى ربكم فينبئكم بما قدمتم من عمل ويجازيكم عليه إن خيرًا وإن شرًا.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ...﴾ إلى آخر السورة، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما نعى على اليهود فرارهم من الموت حبًا في الدنيا والتمتع بطيباتها.. ذكر هنا أن المؤمن لا يمنع من اجتناء ثمار الدنيا، وخيراتها مع السعي لما ينفعه في الآخرة؛ كالصلاة يوم الجمعة في المسجد مع الجماعة، فعليه أن يعمل للدنيا والآخرة معًا، فما الدنيا إلا مزرعة الآخرة، كما ورد في الأثر: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدًا".
ثم نعى على المسلمين في عهد الرسول - ﷺ - تشاغلهم عن سماع عظاته - وهو يخطب على المنبر - بأمور الدنيا، من تجارة وضرب دف وغناء بالمزامير ونحو ذلك. وأبان لهم أن ما عند الله تعالى من الثواب والنعيم المقيم خير لهم من خيرات الدنيا والتمتع بلذاتها الفانية.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية (١): ما أخرجه الشيخان عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - ﷺ - يخطب يوم الجمعة، إذ أقبلت عير قد قدمت، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه - ﷺ - إلا اثنا عشر رجلًا، فأنزل ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾.
وفي "الدر المنثور" (٦/ ٢٢١): أن النبي - ﷺ - يخطب يوم الجمعة، فإذا كان نكاح.. لعب أهله وعزفوا ومروا باللهو على المسجد، وإذا نزلت بالبطحاء جلب - قال: وكانت البطحاء مجلسًا بفناء المسجد الذي يلي بقيع الغرقد، وكانت

(١) لباب النقول.


الصفحة التالية
Icon