في أصحاب رسول الله - ﷺ - كاتب إلا حنظلة الذي يقال له: غسيل الملائكة ويسمى حنظلة الكاتب. ثم ظهر الخط في الصحابة بعد في معاوية بن أبى سفيان وزيد بن ثابت، وكانا يكتبان لرسول الله - ﷺ -، وكان له كتاب أيضًا غيرهما. واختلفوا في رسول الله - ﷺ - أنه هل تعلم الكتابة بآخرة من عمره أو لا؟ لعلمائنا فيها وجهان، وليس فيه حديث صحيح ولا نقل صريح.
ولما (١) كان الخط صنعة ذهنية وقوة طبيعية صدرت بالآلة الجسمانية.. لم يحتج إليه من كان القلم الأعلى منبعه واللوح المحفوظ مصحفه ومرجعه، وعدم كتابته مع علمه بها معجزة باهرة له - ﷺ -؛ إذ كان يعلم الكتاب علم الخط وأهل الحرف حرفتهم، وكان أعلم بكل كمال أخروي أو دنيوي.
ومعنى الآية: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ﴾؛ أي: في العرب؛ لأن أكثرهم لا يكتبون ولا يقرؤون من بين الأمم، فغلب الأكثر، وإنما قلنا: أكثرهم لأنه كان فيهم من يكتب ويقرأ وإن كانوا على قلة. رسولًا من جنسهم ونسبهم. والبعث في الأميين لا ينافي عموم دعوته - ﷺ -، فالتخصيص بالذكر لا مفهوم له. ولو سلم.. فلا يعارض منطوق قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ﴾ على أنه فرق بين البعث في الأميين والبعث إلى الأميين، فبطل احتجاج أهل الكتاب بهذه الآية على أنه - ﷺ - كان رسول الله إلى العرب خاصة، ورد الله بذلك ما قال اليهود للعرب طعنًا فيه: نحن أهل الكتاب وأنتم أميون لا كتاب لكم.
﴿يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ القرآنية، مع كونه أميًا لا يقرأ ولا يكتب ولا تعلم ذلك من أحد. والجملة (٢) صفة لـ ﴿رَسُولًا﴾، وكذا قوله: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ قال ابن جريج ومقاتل؛ أي: يطهرهم من دنس الكفر والذنوب. وقال السدي: يأخذ زكاة أموالهم. وقيل: يجعلهم أزكياء القلوب بالإيمان. ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾: هذه صفة ثالثة لـ ﴿رَسُولًا﴾. والمراد بالكتاب: القرآن وبالحكمة: السنة، كذا قال الحسن. وقيل: الكتاب: الخط بالقلم، والحكمة: الفقه في الدين، كذا قال مالك بن أنس. ﴿وَإِنْ كَانُوا﴾؛ أي: وقد كانوا ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل بعثه فيهم ﴿لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾. وخطأ ظاهر، وشرك بيّن، وذهاب عن الحق.
(٢) الشوكاني.