يكن ثم كان، بل يقال: لما يكن وقد يكون، كما هو مبسوط في محله.
وقيل (١): لما يلحقوا بهم في الفضل والمسابقة؛ لأن التابعين لا يدركون شيئًا مع الصحابة، وكذلك العجم مع العرب. ومن شرائط الدِّين: معرفة فضل العرب عن العجم، وحبهم، ورعاية حقوقهم. وفي الآية دليل على أن رسول الله - ﷺ - رسول نفسه وبلاغه حجة لأهل زمانه ومن بلغ، لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾.
وقال الشوكاني: والضمير في ﴿مِنْهُمْ﴾ و ﴿بِهِمْ﴾ راجع إلى الأميين، وهذا يؤيد أن المراد بـ ﴿الآخرين﴾ هم من يأتي بعد الصحابة من العرب خاصة إلى يوم القيامة، وهو - ﷺ - وإن كان مرسلًا إلى جميع الثقلين فتخصيص العرب هاهنا لقصد الامتنان عليهم، وذلك لا ينافي عموم الرسالة. ويجوز أن يراد بالآخرين العجم؛ لأنهم وإن لم يكونوا من العرب فقد صاروا بالإِسلام منهم، والمسلمون كلهم أمة واحدة، وإن اختلفت أجناسهم. انتهى.
والمعنى: أي وبعثه في آخرين أي: في غيرهم من المؤمنين إلى يوم القيامة. وهم من جاؤوا بعد الصحابة إلى يوم الدين، من جميع الأمم، كالفرس والروم والترك والتكرور، والأرميا والأفارقة، أو يعلم آخرين غير الصحابة من التابعين فمن بعدهم، قرنًا بعد قرن إلى يوم القيامة، لكن بواسطة ورثة أمته وكمل أهل دينه وملته.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَزِيزُ﴾؛ أي: المبالغ في العزة والغلبة، ولذلك مكن رجلًا أميًا من ذلك الأمر العظيم. ﴿الْحَكِيمُ﴾؛ أي: المبالغ في الحكمة ورعاية المصلحة، ولذلك اصطفاه من بين كافة البشر.
٤ - ﴿ذَلِكَ﴾ الذي امتاز به محمد - ﷺ - من بين سائر الأفراد. وهو أن يكون نبي أبناء عصره ونبي أبناء العصور الغوابر. ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ﴾ سبحانه وإحسانه ﴿يُؤْتِيهِ﴾؛ أي: يعطي فضله ﴿مَنْ يَشَاءُ﴾ إعطاءه من عباده، تفضلًا وتكرمًا، وعطية لا تأثير للأسباب فيه، فكان الكرم منه صرفًا لا تمازجه العلل، ولا تكسبه الحيل. ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه ﴿ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ والعطاء الجسيم