الذي يستحقر دونه نعم الدنيا ونعم الآخرة. وفي "كشف الأسرار": والله ذو الفضل العظيم على محمد وذو الفضل العظيم على الخلق بإرسال محمد - ﷺ - إليهم وتوفيقهم لمبايعته، انتهى.
يقول الفقير: وأيضًا: والله ذو الفضل العظيم على أهل الاستعداد من أمة محمد - ﷺ - بإرسال ورثة محمد في كل عصر إليهم وتوفيقهم للعمل بموجب إرشادهم، ولولا أهل الإرشاد والدلالة والدعوة.. لبقي الناس كالعميان، لا يدرون أين يذهبون، وإنما كان هذا الفضل عظيمًا لأن غايته الوصول إلى الله العظيم.
وعبارة المراغي هنا: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾؛ أي: وهو ذو العزة والسلطان، القادر أن يجعل هذه الأمة المستضعفة صاحبة النفوذ والقوة التي تنشر في غيرها من الأمم روح العدل والنظام، برسال رسول من أبنائها ينقذ الناس من الضلالة إلى الهدى ومن الظلمات إلى النور. وهو الحكيم فيما يفعل من تدبير أمور الخلق لما فيه خيرهم وفلاحهم.
ثم ذكر سبحانه أن إرسال هذا الرسول فضل منه ورحمة فقال: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: إرسال هذا الرسول إلى البشر مزكيًا مطهرًا لهم هاديًا معلمًا ﴿فَضْلُ﴾ من ﴿اللَّهِ﴾ سبحانه وإحسان منه إلى عباده، يعطيه من يشاء ممن يصطفيه من خلقه بحسب ما يعلمه من استعداده وصفاء نفسه، وهو أعلم حيث يجعل رسالته. وهو سبحانه ذو الفضل العظيم عليهم في جميع أمورهم، في دنياهم وآخرتهم، في معاشهم ومعادهم، فلا يجعلهم في حيرة من أمرهم، تنتابهم الشكوك والأوهام ولا يجدون للخلاص منها سبيلًا، ولا يجعل قويهم يبطش بضعيفهم ويغتصب أموالهم، ويسعى في الأرض بالفساد، ويهلك الحرث والنسل، فيكون العالم ككرة تتقاذفها أكف اللاعبين، فهو أرحم بعباده من أن يتركهم سدًى هملًا ولا صلاح لهم في دين ولا دنيا، انتهى.
٥ - ثم ضرب سبحانه لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلًا، فقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ﴾؛ أي: كلفوا القيام بها والعمل بما فيها، وهم اليهود ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾؛ أي: لم يعملوا بما في تضاعيفها من الآيات التي من جملتها الآيات الناطقة بنبوة محمد - ﷺ -، واقتنعوا بمجرد قراءتها ﴿كَمَثَلِ الْحِمَارِ﴾:


الصفحة التالية
Icon