﴿الكاف﴾: فيه زائدة كما في "الكواشي". والحمار: حيوان معروف يعبر به عن الجاهل، كقولهم: هو أكفر من الحمير؛ أي: أجهل؛ لأن الكفر من الجهالة. فالتشبيه لزيادة التحقير والإهانة، ولنهاية التهكم والتوبيخ بالبلادة؛ إذ الحمير تذكر بها. والبقر وإن كان مشهورًا بالبلادة إلا أنه لا يلائم الحمل. ولقد أجاد من قال:

تَعَلَّمْ يَا فَتَى فَالْجَهْلُ عَارٌ وَلَا يَرْضَى بِهِ إِلَّا حِمَارُ
أي: صفتهم العجيبة كصفة الحمار حال كونه ﴿يَحْمِلُ أَسْفَارًا﴾؛ أي: كتبًا كبارًا من العلم، يتعب بحملها ولا ينتفع بها. قال ميمون بن مهران: الحمار لا يدري أسفر على ظهره أم زبل، فهكذا اليهود. والأسفار: جمع سفر - بكسر السين - وهو: الكتاب الكبير، كشبر وأشبار. وجملة ﴿يَحْمِلُ﴾ في محل نصب على الحال أو صفة للحمار، إذ ليس المراد به حمارًا معينًا فهو في حكم النكرة، كما في قول الشاعر:
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِيْ فَمَضَيْتُ ثُمَّتَ قُلْتُ لَا يَعْنِيْنِيْ
والأصح: أن قولهم: الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات ليس مطردًا كما قدمنا بسطه. قال الراغب: السفر: الكتاب الذي يسفر عن الحقائق؛ أي: يكشف. وخص (١) لفظ الأسفار في الآية تنبيهًا على أن التوراة وإن كانت تكشف عن معانيها إذا قرئت وتحقق ما فيها فالجاهل لا يكاد يستبينها كالحمار الحامل لها. وفي هذا تنبيه من الله على أنه ينبغي لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه ويعلم ما فيه ويعمل به؛ لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء.
يقول (٢) سبحانه ذامًا لليهود الذين أعطوا التوراة وحملوها للعمل بها ثم لم يعملوا بها: ما مثل هؤلاء إلا كمثل الحمار، يحمل الكتب لا يدري ما فيها ولا كنه ما يحمل، بل هم أسوأ حالًا من الحمر؛ لأن الخمر لا فهم لها، وهؤلاء لهم فهوم لم يستعملوها فيما ينفعهم، إذ حرفوا التوراة فأولوا وبدلوها، فهم كما قال في الآية الأخرى: ﴿أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾.
وصفوة القول: أن هذا النبي الذي تقولون: إنه أرسل إلى العرب خاصة هو
(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon