ذلك النبي المنعوت في التوراة والمبشر به فيها، فكيف تنكرون نبوته وكتابكم يحض على الإيمان به؟!. فما مثلكم في حملكم للتوراة مع عدم العمل بما فيها إلا مثل الحمار، يحمل الكتب ولا يدري ما فيها، فأنتم إذ لم تعملوا بما فيها وهي حجة عليكم إلا مثل الحمار ليس له إلا ثقل الحمل من غير انتفاع له بما حمل.
والخلاصة (١): أي صفة الذين أمروا بأن يعملوا بما في التوراة ثم لم يعملوا بما أمروا فيها كصفة الحمار، يحمل كتبًا كبارًا في عدم انتفاعه بها. وقال أهل المعاني: هذا المثل مثل من يفهم معاني القرآن ولم يعمل به وأعرض عنه إعراض من لا يحتاج إليه.
ثم بين قُبح هذا المثل وشديد وقعه على من يعقله ويتدبره، فقال: ﴿بِئْسَ﴾ وقبح مثلًا ﴿مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ سبحانه، على (٢) أن التمييز محذوف، والفاعل المفسر به مضمر و ﴿مَثَلُ الْقَوْمِ﴾: هو المخصوص بالذم، أو ﴿مَثَلُ الْقَوْمِ﴾: فاعل ﴿بِئْسَ﴾، والمخصوص بالذم: الموصول بعده على حذف مضاف؛ أي: مثل الذين كذبوا. ويجوز أن يكون الموصول صفة للقوم، فيكون في محل جرّ، والمخصوص بالذم محذوف، والتقدير: بئس مثل القوم المكذبين مثل هؤلاء، وهؤلاء هم اليهود الذين كفروا بما في التوراة من الآيات الشاهدة بصحة نبوة محمد - ﷺ -.
والمعنى (٣): أي ما أقبح هذا مثلًا لهم، لتكذيبهم بآيات الله التي جاءت على لسان رسوله، لو كانوا يتدبرون ويتفكرون؛ إذ لم يكن لهم ما يشبههم من ذوي العقول والحجا من ملك أو إنس، بل لا شبيه لهم إلا ما هو أحقر الحيوان وأذلّه، وهو الحمار:
وَلَا يُقِيْمُ عَلَى ضَيْمٍ يُرَادُ بِهِ... إلَّا الأَذَلّانِ: عَيرُ الْحَيِّ وَالْوَتَدُ

هَذَا عَلَى الْخَسْفِ مَرْبُوطٍ بِرُمَّتِهِ وَذَا يُشَجُّ فَلَا يَرْثِي لَهُ أَحَدُ
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الواضعين (٤) للكتذيب في موضع التصديق، أو
(١) المراح.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٤) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon