فقالوا: يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى فاجعلوه يوم العروبة، فاجتمعوا إلى أسعد بن زراة رضي الله عنه بضم الزاي - فصلى بهم ركعتين وذكرهم، فسموه يوم الجمعة لاجتماعهم فيه. وحين اجتمعوا.. ذبح لهم شاة، فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم، وبقي في أكثر القرى التي تقام فيها الجمعة عادة الإطعام بعد الصلاة إلى يومنا هذا، فأنزل الله آية الجمعة. فهي أول جمعة في الإِسلام.
وأما أول جمعة جمعها رسول الله - ﷺ - فهي: أنه لما قدم المدينة مهاجرًا نزل قباء على بني عمرو بن عوف، يوم الاثنين لاثني عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين امتد الضحى، ومن تلك السنة يعد التاريخ الإِسلامي، فأقام بها يوم الإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس، وأسس مسجدهم، ثم خرج يوم الجمعة عامدًا المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن وادٍ لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدًا، فخطب وصلى الجمعة، وهي أول خطبة خطبها رسول الله - ﷺ -، وقال فيها:
"الحمد لله، وأستعينه، وأستهديه، وأومن به، ولا أكفره، وأعادي من يكفر به، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة والحكمة، على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة وقرب من الأجل. من يطع الله ورسوله.. فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله.. فقد غوى وفرط وضلّ ضلالًا بعيدًا.
أوصيكم بتقوى الله، فإن خير ما أوصى به المسلم المسلم، أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله، وأحذر ما حذركم الله من نفسه، فإن تقوى من عمل به ومخافته من ربه عنوان صدق على ما يبغيه من الآخرة، ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السرّ والعلانية لا ينوي به إلا وجه الله.. يكون له ذكرًا في عاجل أمره وذخرًا فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قدم، وما كان مما سوى ذلك.. يود لو أن بينه وبينه أمدًا بعيدًا. ويحذركم الله نفسه، والله رؤوف بالعباد، هو الذي صدق قوله، وأنجز وعده، ولا خُلْفَ لذلك، فإنه يقول: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ