وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩)}. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله، في السر والعلانية، فإنه من يتق الله.. يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرًا، ومن يتق الله.. فقد فاز فوزًا عظيمًا. وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه وترضي الرب وترفع الدرجة. فخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم في كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا وليعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداء الله، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وسماكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة. ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأكثروا ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإن من يصلح ما بينه وبين الله.. يكفر الله ما بينه وبين الناس. ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس، ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". انتهت الخطبة النبوية.
ثم إن هذه الآية رد لليهود في طعنهم للعرب، وقولهم: لنا السبت ولا سبت لكم.
﴿فَاسْعَوْا﴾؛ أي: فامشوا، واقصدوا وامضوا ﴿إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: إلى الخطبة والصلاة، لاشتمال كل منهما على ذكر الله. وما كان من ذكر رسول الله والثناء عليه وعلى خلفائه الراشدين وأتقياء المؤمنين والموعظة والتذكير.. فهو في حكم ذكر الله، وأما ما عدا ذلك من ذكر الظلمة وألقابهم والثناء عليهم والدعاء لهم وهم أحقاء بعكس ذلك.. فمن ذكر الشيطان، وهو من ذكر الله على مراحل، كما في "الكشاف" وعن الحسن - رحمه الله -: أما والله! ما هو السعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنيات والخشوع والابتكار. ولقد ذكر الزمخشري في الابتكار قولًا وافيًا، حيث قال: وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر مغتصة؛ أي: مملوءة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج.
وقال الفراء (١): السعي والمضي والذهاب في معنى واحد، ويدل على ذلك قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود: ﴿فامضوا إلى ذكر الله﴾. وقيل: السعي هو

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon