العمل، كقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾، وقوله: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤)﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩)﴾. قال القرطبي: وهذا قول الجمهور: أي: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله، واشتغلوا بأسبابه، من الغسل، والوضوء، والتوجه إليه تعالى.
وعبر (١) بالسعي إشارةً إلى النهي عن التثاقل عنها، وحثًا على الذهاب بصفاء قلب وهمة، لا بكسل نفس وغمة. وهذا بالنسبة إلى غير المريض والأعمى، والعبد والمرأة، والمقعد والمسافر، فإنهم ليسوا بمكلفين بها.
﴿وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾؛ أي: واتركوا المعاملة بالبيع، ويلحق به سائر المعاملات، من الشراء والسلم والإجارة والقراض والمساقاة. قال الحسن: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة.. لم يحل الشراء والبيع، ويجوز أن يجعل البيع مجازًا عن المعاملة كلها. وقال بعضهم؛ النهي عن البيع يتضمن النهي عن الشراء؛ لأنهما متضايفان لا يعقلان إلا معًا، فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر. والمراد: الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا، تجارة وصناعة وحرفة وزراعة وغيرها. وإنما خص البيع والشراء من بينها لأن يوم الجمعة يوم تجتمع فيه الناس من كل ناحية، فإذا دنا وقت الظهيرة.. يتكاثر البيع والشراء، فلما كان ذلك الوقت مظنة الذهول عن ذِكر الله والمضي إلى المسجد.. قيل لهم: بادروا تجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا، واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح، وذروا البيع الذي نفعه يسير وربحه قليل.
وقرأ كبراء من الصحابة والتابعين (٢): ﴿فامضوا﴾ بدل ﴿فَاسْعَوْا﴾ وينبغي أن يحمل على التفسير من حيث إنه لا يراد بالسعي هنا الإسراع في المشي، ففسروه بالمضي، فلا يكون قرآنًا؛ لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون.
﴿ذَلِكُمْ﴾ المذكور من السعي إلى ذِكر الله وترك البيع مبتدأ، خبره ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون من مباشرته. فإن نفع الآخرة أجلّ وأبقى ﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الخير والشر الحقيقيين. فافعلوا ما أمرتكم به، واتركوا ما نهيتكم عنه.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon