فالجواب: أن هذا أمر الرخصة لا أمر العزيمة؛ أي: لا جناح عليكم في الانتشار بعدما أديتم حق الصلاة.
﴿وَابْتَغُوا﴾؛ أي: واطلبوا لأنفسكم وأهليكم ﴿مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ سبحانه وعطائه؛ أي: من الرزق الحلال، بأي وجه يتيسر لكم من التجارة وغيرها من المكاسب المشروعة. دل على هذا المعنى سبب نزول قوله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً﴾ الخ، كما سيأتي قريبًا.
فالأمر بعد الحظر للإطلاق؛ أي: للإباحة لا للإيجاب، كقوله: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾. وذكر الإِمام السرخسي: أن الأمر للإيجاب؛ لما روي: أنه - ﷺ - قال: "طلب الكسب بعد الصلاة هو الفريضة بعد الفريضة، وتلا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ﴾. وقيل: إنه للندب، فعن سعيد بن جبير: إذا انصرفت من الجمعة.. فساوم بشيء وإن لم تشتره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لم يؤمروا بطلب شيء من الدنيا، إنما هو عيادة المرضى وحضور الجنائز وزيارة أخ في الله. وعن الحسن، وسعيد بن المسيب: هو طلب العلم. وقيل: صلاة التطوع.
والظاهر (١): أن مثل هذا إرشاد للناس إلى ما هو الأولى، ولا شك في أولوية المكاسب الأخروية مع أن طلب الكفاف من الحلال عبادة، وربما يكون فرضًا عند الاضطرار.
﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ سبحانه بالجنان واللسان ﴿كَثِيرًا﴾؛ أي: ذكرًا كثيرًا أو زمانًا كثيرًا، ولا تخصوا ذكره تعالى بالصلاة؛ أي: واذكروه بالشكر له على ما هداكم إليه من الخير الأخروي والدنيوي، واذكروه أيضًا بما يقربكم إليه من الأذكار؛ كالحمد، والتسبيح، والتكبير، والاستغفار ونحو ذلك. ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾؛ أي: كي تفوزوا بخير الدارين وتظفروا به.
والمعنى (٢): أي فإذا أديتم الصلاة.. فتفرقوا لأداء مصالحكم الدنيوية بعد أن أديتم ما ينفعكم في آخرتكم، واطلبوا الثواب من ربكم، واذكروا الله وراقبوه في جميع شؤونكم، فهو العليم بالسر والنجوى، لا تخفى عليه خافية من أموركم،

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon