لعلكم تفوزون بالفلاح في دنياكم وآخرتكم. وفي هذا إيماء إلى شيئين:
١ - مراقبة الله في أعمال الدنيا حتى لا يطغى عليهم حبها بجمع حطامها بأي الوسائل من حلال وحرام.
٢ - أن في مراقبته تعالى الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة.
أما في الدنيا: فلأن من راقبه لا يغش في قيل ولا وزن، ولا يغير سلعة بأخرى، ولا يكذب في مساومة، ولا يحلف كذبًا، ولا يخلف موعدًا، ومتى كان كذلك.. شهر بين الناس بحسن المعاملة وأحبوه، وصار له من حسن الأحدوثة ما يضاعف له الله به الرزق.
وأما في الآخرة: فيفوز برضوان ربه ورضوان من الله أكبر، وبجنات تجري من تحتها الأنهار، ونعم أجر العاملين. وعن عراك بن مالك رضي الله عنه: أنه كان إذا صلى الجمعة.. انصرف فوقف على باب المسجد، وقال: اللهم أجبت دعوتك، وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين.
١١ - ثم عاتب سبحانه المؤمنين على ما كان منهم من الانصراف عن الخطبة يوم الجمعة إلى التجارة التي قدمت المدينة يومئذٍ، فقال: ﴿وَإِذَا رَأَوْا﴾؛ أي: وإذا رأى المؤمنون وعلموا ﴿تِجَارَةً﴾؛ أي: عير تجارة، وهي تجارة دحية بن خليفة الكلبي. ﴿أَوْ﴾ سمعوا ﴿لَهْوًا﴾ وهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه. يقال: ألهى عن كذا إذا شغله عمّا هو أهمّ. والمراد هنا: صوت الطبل، ويقال له: اللهو الغليظ. وكان دحية إذا قدم.. ضرب الطبل ليعلم الناس بقدومه فيخرجوا ليبتاعوا منه. وقيل: كانوا إذا أقبلت العير استقبلوها؛ أي: أهلها بالطبول والدفوف والتصفيق، وهو المراد باللهو هنا ﴿انْفَضُّوا﴾؛ أي: انتشروا، وتفرقوا خارجين ﴿إِلَيْهَا﴾؛ أي: إلى التجارة، والذي سوغ لهم الخروج وترك رسول الله - ﷺ - يخطب: أنهم ظنوا أن الخروج بعد تمام الصلاة جائز لانقضاء المقصود، وهو الصلاة؛ لأنه كان - ﷺ - أول الإِسلام يصلي الجمعة قبل الخطبة كالعيدين، فلما وقعت هذه الواقعة ونزلت الآية.. قدم الخطبة وأخر الصلاة، انتهى. "خطيب".