﴿نَشْهَدُ﴾ الآن أو على الاستمرار ﴿إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ والشهادة قول صادر عن علم حصل بشهادة بصر أو بصيرة. والمراد بالمنافقين: عبد الله بن أبي وأصحابه. ومعنى ﴿نَشْهَدُ﴾ (١): نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم. ومن هذا: قول قيس بن ذريح:

وَأَشْهَدُ عِنْدَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّهَا فَهَذَا لَهَا عِنْدِيْ فَمَا عِنْدَهَا لِيَا
ومثل نشهد: نعلم، فإنه يجري مجرى القسم، كما في قول الشاعر:
وَلَقَدْ عَلِمْتُ لَتَأْتِيَنَّ مَنِيَّتِي إِنَّ الْمَنَايَا لَا تَطِيْشُ سِهَامُهَا
وجملة قوله: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ اعتراض (٢) مقرر لمنطوق كلامهم؛ لكونه مطابقًا للواقع، ولإزالة إيهام أن قولهم هذا كذب؛ لقوله: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ...﴾ إلخ. وفيه تعظيم للنبي - ﷺ -. وقال أبو الليث: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ من غير قولهم: ﴿وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (٢٨) مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾.
واعلم: أن كل ما جاء في القرآن بعد العلم من لفظة ﴿أن﴾ فهي بفتح الهمزة لكونها في حكم المفرد، إلا في موضعين:
أحدهما: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ﴾ في هذه السورة.
والثاني: ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ في سورة الأنعام. وإنما كان كذلك في هذين الموضعين لأنه يأتي بعدهما لام الخبر، فانكسرا.
أي: لأن اللام لتأكيد معنى الجملة، ولا جملة إلا في صورة المكسورة. وقال بعضهم: إذا دخلت لام الابتداء على خبرها.. تكون مكسورة؛ لاقتضاء لام الابتداء الصدارة، كما يقال: لزيدٌ قائم. وأخرت اللام لئلا يجتمع حرفا التأكيد، واختير تأخيرها لترجيح إن في التقديم لعامليته، فكسرت لأجل اللام.
﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ﴾ شهادة حقة ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾؛ أي: إنهم لكاذبون فيما أضمروه من أنك غير رسول. والإظهار (٣) في موضع الإضمار لذمهم والإشعار بعلية الحكم. أو لكاذبون فيما ضمنوا مقالتهم من أنها صادرة عن اعتقاد وطمأنينة قلب.
(١) الشوكاني.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon