التشكيك والقدح في النبوة. هذا معنى الصد الذي بمعنى الصرف. ويجوز أن يكون من الصدود؛ أي: أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه.
وقصارى ذلك (١): أنهم أجرموا جريمتين:
١ - أعدوا الأيمان الكاذبة وهيؤوها لوقت الحاجة ليحلفوا بها ويتخلصوا من المؤاخذة.
٢ - أنهم يمنعون الناس عن الدخول في الإِسلام، وينفرونهم منه متى استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
ثم بيّن قبح مغبة ما يعملون ووبال ما يصنعون، فقال: ﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾؛ أي: قبح فعلهم؛ إذ آثروا الكفر على الإيمان، وأظهروا خلاف ما أضمروا، وسيلقون نكالًا ووبالًا في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا: فسيفضحهم على رؤوس الأشهاد، ويظهر نفاقهم للمؤمنين بنحو قوله: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾. وأما في الآخرة: ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.
٣ - ثم ذكر ما جرأهم على الكذب والاستخفاف بالأيمان المحرجة، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾ القول الشاهد بأنهم أسوأ الناس أعمالًا، ﴿بِأَنَّهُمْ﴾؛ أي: بسبب أنهم ﴿آمَنُوا﴾؛ أي: نطقوا بكلمة الشهادة كسائر من يدخل في الإِسلام. ﴿ثُمَّ كَفَرُوا﴾، أي: ظهر كفرهم بما شوهد منهم من شواهد الكفر ودلائل من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقًا.. فنحن حمير! وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن يفتح له قصور كسرى وقيصر؟ هيهات. فـ ﴿ثُمَّ﴾ للتراخي، أو: كفروا سرًا، فـ ﴿ثُمَّ﴾ للاستبعاد. ويجوز أن يراد بهذه الآية أهل الردة منهم، كما في "الكشاف". والأول أولى.
﴿فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾؛ أي: ختم عليها حتى تمرنوا على الكفر واطمأنوا به، وصارت بحيث لا يدخلها الإيمان، جزاء على نفاقهم ومعاقبة على سوء أفعالهم. ﴿فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾؛ أي: لا يفهمون حقيقة الإيمان، ولا يعرفون حقيقته أصلًا كما يعرفه المؤمنون. أي: لا يعرفون ما فيه صلاحهم ورشادهم، وهو الإيمان.