- ومن معه يعجبون بهياكلهم، ويسمعون إلى كلامهم. وإن الصباحة وحسن المنظر لا يكون إلا من صفاء الفطرة في الأصل، ولذا قال عليه السلام: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه" أي: غالبًا. وكم من رجل قبيح الوجه قضاء للحوائج. قال بعضهم:
يَدُلُّ عَلَى مَعْرُوفِهِ حُسْنُ وَجْهِهِ | وَمَا زَالَ حُسْنُ الْوَجْهِ إِحْدَى الشَّوَاهِدِ |
وروي عن بعض الحكماء: أنه رأى غلامًا حسنًا وجهه، فاستنطقه لظنه ذكاء فطنته، فما وجد عنده معنى: فقال: ما أحسن هذا البيت لو كان فيه ساكن!
وجملة قوله: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ مستأنفة لتقرير ما تقدم من أن أجسامهم تعجب الرائي، وتروق الناظر. ويجوز أن تكون في محل الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف. أي: هم كأنهم إلخ. والخشب - بضمتين -: جمع خشبة وهي ما غلظ من العيدان. والإسناد: الإمالة، ومسندة للتكثير. فإن التسنيد تكثير الإسناد بكثرة المحال؛ أي: كأنها أسندت في مواضع. شبهوا في جلوسهم في مجالس رسول الله - ﷺ - مستندين فيها بأخشاب منصوبة مسندة إلى الحائط في كونها أشباحًا خالية عن العلم والخير والانتفاع. ولذا اعتبر في الخشب التسنيد؛ لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، فكما أن مثل هذا الخشب لا نفع فيه فكذا هم لا نفع فيهم.
يقول الفقير: فيه إشارة إلى أن الاستناد في مجالس الأكابر أو في مجالس العلم مِن ترك الأدب؛ ولذا منع الإِمام مالك رحمه الله هارون الرشيد من الاستناد حين سمع منه "الموطأ". ودلت الآية وكذا قول النبي - ﷺ -: إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة، على أن العبرة في الكمال والنقصان بالأصغرين: اللسان والقلب، لا بالأكبرين: الرأس والجسد، فإن الله تعالى لا ينظر إلى الصور والأموال، بل إلى القلوب والأعمال، فرب صورة مصغرة، عند الله بمثابة الذهب.