وقرأ الجمهور (١): ﴿تَسْمَعْ﴾ بتاء الخطاب. وقرأ عكرمة، وعطية العوفي ﴿يسمع﴾ بالياء مبنيًا للجهول، ولقولهم: الجار والمجرور هو المفعول الذي لم يُسمَّ فاعله، وليست اللام زائدة، بل ضمن ﴿يسمع﴾ معنى يصغ ويمل، تعدى باللام وليست زائدة، فيكون: قولهم هو المسموع. وقرأ الجمهور: ﴿خُشُبٌ﴾ بضمتين والبراء بن عازب والنحويان: أبو عمرو والكسائي، وابن كثير بإسكان الشين مخففة: ﴿خشب﴾ المضموم. وقيل: جمع خشباء، كحمر جمع حمراء، وهي: الخشبة التي نخر جوفها شبهوا بها في فساد بواطنهم. وقرأ ابن المسيب، وابن جبير: ﴿خشب﴾ بفتحتين، اسم جنس، الواحد خشبة، وأنث وصفه، كقوله: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾، أشباح بلا أرواح، وأجسام بلا أحلام.
والمعنى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾؛ أي (٢): لاستواء خلقهم وجمال صورهم، كما وصفهم بالفصاحة وذرابة اللسان فقال: ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ لحلاوة منطقهم وحسن توقيع حديثهم، فإذا سمعهم سامع.. أحب أن يصغي إليهم وأن يطول حديثهم جهد الاستطاعة. ثم وصفهم بأن أفئدتهم هواء، لا عقول لهم ولا أحلام، فقال: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾؛ أي: هم أشباح بلا أرواح، لهم جمال في المنظر وقبح في المخبر، فسدت بواطنهم وحسنت ظواهرهم، فكانت كالخشب الجوفاء التي نخرها السوس، فهي مع حسنها لا ينتفع فيها بعمل ولا يستفاد منها خير. ولله در أبي نواس:

لَا تَخْدَعَنْكَ اللِّحَى وَلَا الصُّوْرُ تِسْعَةُ أَعْشَارِ مَنْ تَرَى بَقَرُ
تَرَاهُم كَالسَّحَابِ مُنْتَشِرًا وَلَيْسَ فِيْهِ لِطَالِبٍ مَطَرُ
فِي شَجَرِ السَّرْوِ مِنْهُمُ مَثَلٌ لَهُ رُواءٌ وَمَا لَهُ ثَمَرُ
ثم وصفهم بالجبن والذلة، فقال: ﴿يَحْسَبُونَ﴾؛ أي: يظنون ﴿كُلَّ صَيْحَةٍ﴾؛ أي: كل صوت مرتفع. وهو مفعول أول لـ ﴿يَحْسَبُونَ﴾، والمفعول الثاني قوله: ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: واقعة عليهم ضارة لهم. وقال بعضهم: إذا نادى مناد في العسكر لمصلحة، أو انفلتت دابة، أو نشدت ضالة، أو وقعت جلبة بين الناس.. ظنوه
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon