إيقاعًا بهم، لجبنهم واستقرار الرعب في قلوبهم، والخائن خائف. وفي هذا زيادة تحقير لهم وتخفيف لقدرهم، كما قيل:
إِذَا رَأَى غَيْرَ شَيْءٍ ظَنَّهُ رَجُلًا
وقيل: كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم. ﴿هُمُ الْعَدُوُّ﴾؛ أي: هم الكاملون في العداوة الراسخون فيها. فإن أعدى الأعادي: العدو المكاشر الذي يكاشرك؛ أي: يبتسم، وتحت ضلوعه داء لا يبرح بل يلزم مكانه. ولم يقل: هم الأعداء؛ لأن العدو لكونه بزنة المصادر يقع على الواحد وما فوقه. والجملة (١) مستأنفة لبيان أنهم الكاملون في العداوة.
ثم أمر الله سبحانه رسوله بأن يأخذ حذره منهم، فقال: ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾؛ أي: فاحذر أن تثق بقولهم وتميل إلى كلامهم، أو: فاحذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم بأصحابك، فإنهم يفشون سرك إلى الكفار. أو: فاحذر أن يتمكتوا من فرصة منك أو يطلعوا على شيء من أسرارك؛ لأنهم عيون لأعدائك من الكفار.
ثم دعا عليهم، فقال: ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: لعنهم وطردهم من رحمته، دعا عليهم وطلب من ذاته تعالى أن يلعنهم ويطردهم ويخزيهم ويميتهم على الهوان والخذلان. قال سعدي المفتي: ولا طلب هناك حقيقة، بل عبارة الطلب للدلالة على أن اللعن عليهم مما لا بد منه. وقال الطيبي: إنه من أسلوب التجريد، كقراءة ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: ﴿ومن كفر فأمتعه يا قادر﴾. ويجوز أن يكون تعليمًا للمؤمنين بأن يدعو عليهم بذلك. ففيه دلالة على أن للدعاء على أهل الفساد محلًا يحسن فيه، فقاتل الله المبتدعين الضالين المضلين، فإنهم شر الخصماء وأضر الأعداء. وإيراده في صورة الإخبار مع أنه إنشاء معنى للدلالة على وقوعه. وقال بعضهم: أهلكهم الله، وهو دعاء يتضمن الاقتضاء والمنابذة وتمني الشر لهم. وقيل: هي كلمة ذم وتوبيخ بين الناس، وقد تقول العرب: قاتله الله ما أشعره! فيضعونه موضع التعجب. وقيل: أحلهم محل من قاتله عدو قاهر لكل معاند يهلكه؛ لأن الله تعالى قاهر لكل معاند، فإذا قاتلهم أهلكهم.