المسلمون وعنفوه وأسمعوه ما يكره، فقال له بنو أبيه: لو أتيت رسول الله - ﷺ - حتى يستغفر لك ويرضى عنك؟ قال: لا أذهب إليه ولا أريد أن يستغفر لي، وجعل يلوي رأسه، فنزلت.
٦ - ثم أيأسهم من جدوى الاستغفار لهم، فقال: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ﴾ يا محمد كما (١) إذا جاؤوك معتذرين من جناياتهم. وفي "كشف الأسرار": كان - ﷺ - يستغفر لهم على معنى سؤاله لهم بتوفيق الإيمان ومغفرة العصيان. و ﴿سَوَاءٌ﴾، اسم بمعنى مستو، خبر مقدم، و ﴿عَلَيْهِمْ﴾ متعلق به، وما بعده من المعطوف عليه والمعطوف مبتدأ بتأويل المصدر لإخراج الاستفهام عن مقامه. فالهمزة في ﴿أَسْتَغْفَرْتَ﴾ للاستفهام، ولذا فتحت وقطعت، والأصل: ﴿أاستغفرت﴾ فحذفت همزة الوصل التي هي همزة الاستفعال للتخفيف ولعدم اللبس. ﴿أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ كما إذا أصروا على قبائحهم واستكبروا عن الاعتذار والاستغفار؛ أي: استغفارك لهم وعدمه سيان لا ينفعهم ذلك، لإصرارهم على النفاق واستمرارهم على الكفر.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿أَسْتَغْفَرْتَ﴾ بهمزة التسوية التي أصلها همزة الاستفهام وطرح ألف الوصل. وقرأ أبو جعفر بمدة على الهمزة، قيل: هي عوض من همزة الوصل، وهي مثل المدة في قوله تعالى: ﴿قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ﴾ لكن هذه المدة في الاسم لئلا يلتبس الاستفهام بالخبر، ولا يحتاج إلى ذلك في الفعل؛ لأن همزة الوصل فيه مكسورة. وعن أبي جعفر أيضًا ضم ميم ﴿عَلَيْهِمْ﴾ إذ أصلها الضم ووصل الهمزة. وروى معاذ بن معاذ العنبري عن أبي عمرو كسر الميم على أصل التقاء الساكنين ووصل المرة، فتسقط في القراءتين، واللفظ خبر، والمعنى على الاستفهام، والمراد: التسوية. وجاز حذف الهمزة لدلالة ﴿أَمْ﴾ عليها، كما دلت على حذفها في قوله:
بَسَبْعٍ رَمَينَ الجَمْرَ أَمْ بِثَمَانِ
يريد أبسبع.
﴿لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ أبدًا؛ لإصرارهم على الفسق، ورسوخهم في الكفر، وخروجهم عن دين الفطرة القيم؛ لأن الله كتب عليهم الشقاء بما كسبت أيديهم وبما اجترحت من الفسوق والعصيان، وبما ران على قلوبهم من الجحود والطغيان.

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon