ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾؛ أي: الكاملين في الفسق، الخارجين عن دائرة الاستصلاح، المنهمكين في الكفر والنفاق، أو الخارجين من دائرة المحقين الداخلين في دائرة الباطلين المبطلين؛ لأن الله لا يهدي من أحاطت به خطيئته، فلم تجد الهداية إلى قلبه سبيلًا تسلكه، ولا المواعظ والنصائح متسعًا في فؤاده، فأنى للقلب أن يهتدي وللعقل أن يرعوي؟ وماذا تفيد الآيات والنذر عن قوم لا يعقلون؟
٧ - ثم ذكر هنة أخرى لهم، فقال: ﴿هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ﴾؛ أي: للأنصار، وهو استئناف جار مجرى التعليل لفسقهم أو لعدم مغفرته تعالى لهم، وهو حكاية نص كلامهم. ﴿لَا تُنْفِقُوا﴾؛ أي: لا تعطوا النفقة التي يتعيش بها ﴿عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ يعنون: فقراء المهاجرين. وقولهم: ﴿رَسُولِ اللَّهِ﴾، إما للهزء والتهكم، أو لكونه كاللقب له - ﷺ - واشتهاره به، فلو كانوا مقرين برسالته.. لما صدر عنهم ما صدر. ويجوز أن ينطقوا بغيره، لكن الله تعالى عبر به إكرامًا له وإجلالًا. ﴿حَتَّى يَنْفَضُّوا﴾؛ أي: يتفرقوا عنه ويرجعوا إلى قبائلهم وعشائرهم. وهذا إشارة إلى ابن سلول ومن وافقه من قومه. وإنما قالوه لاحتجابهم بأفعالهم عن رؤية فعل الله وبما في أيديهم عما في خزائن الله، فيتوهمون الإنفاق منهم لجهلهم؛ أي: هم الذين يقولون للأنصار: لا تطعموا محمدًا وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم حين يعضّهم الجوع بنابه.
ثم رد عليهم وخطأهم فيما يقولون، فقال: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾؛ أي: ولله جميع ما في السماوات والأرض من شيء، وبيده مفاتيح أرزاق العباد، لا يقدر أحد أن يعطي أحدًا شيئًا إلَّا بمشيئته.
وهذا رد (١) وإبطال لما زعموا من أن عدم إنفاقهم يؤدي إلى انفضاض الفقراء من حوله - ﷺ -، ببيان أن خزائن الأرزاق بيد الله خاصة، يعطي من يشاء ويمنع من يشاء. ومن تلك الخزائن المطر والنبات. قال الراغب: قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ إشارة منه إلى قدرته تعالى على ما يريد إيجاده، أو إلى الحالة التي أشير إليها بقوله - ﷺ -: "فرغ ربكم من الخلق والأجل والرزق". والمراد من

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon