الفراغ: إتمام القضاء، فهو مذكور بطريق التمثيل. يعني: أتم قضاء هذه الكليات في علمه السابق. والخزائن: جمع خزانة، وهي: ما يخزن فيه الأموال النفيسة ويحفظ، كما سيأتي.
قرأ الجمهور (١): ﴿يَنْفَضُّوا﴾ من الانفضاض، وهو التفرق. وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي: ﴿يُنْفَضُّوا﴾ من أنفض القوم إذا فنيت أزوادهم، يقال: نَفَضَ الرجل وعاءه من الزاد فَأَنْفَضَ.
﴿وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ﴾ ذلك؛ لجهلهم بالله وبشؤونه، ولذلك يقولون من مقالات الكفر ما يقولون، ولا يعلمون أن خزائن الأرزاق بيد الله عز وجل، وأنه الباسط القابض المعطي المانع، لجهلهم بسنن الله في خلقه، وأن الله قد كفل الأرزاق لعباده في أي مكان كانوا، متى عملوا وجدوا في الحصول عليها.
٨ - ثم ذكر هنة ثالثة لهم، وهي أعظمها، فقال: ﴿يَقُولُونَ﴾؛ أي: يقول المنافقون - عبد الله بن أبيّ وأصحابه -: والله ﴿لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ﴾ والمراد: رجوعهم من غزوة بني المصطلق، كما مر. وإنما أسند القول إلى المنافقين مع كون القائل واحدًا من أفرادهم، وهو عبد الله بن أبيّ لكونه كان رئيسهم وصاحب أمرهم، وهم راضون بما يقوله سامعون له مطيعون. ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ﴾ يريد أنفسهم ﴿مِنْهَا﴾؛ أي: من المدينة ﴿الْأَذَلَّ﴾ يريد النبي - ﷺ - وأصحابه. ثم رد الله سبحانه على قائل قلت المقالة فقال: ﴿وَلِلَّهِ﴾ سبحانه لا لغيره ﴿الْعِزَّةُ﴾ والقدرة التامة والغلبة والقوة ﴿وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ولمن أعزه من رسوله والمؤمنين لا لغيرهم، كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من المنافقين والكافرين؛ أي: فالعزة والغلبة لله وحده ولمن أفاضها عليه من رسله وصالحي عباده لا لغيرهم.
قال الواسطي - رحمه الله تعالى - (٢): عزة الله: أن لا يكون شيء إلا بمشيئته وإرادته، وعزة المرسلين: أنهم آمنون من زوال الإيمان، وعزة المؤمنين: أنهم آمنون من دوام العقوبة. وقال عزة الله: العظمة والقدرة، وعزة الرسول: النبوة والشفاعة، وعزة المؤمنين: التواضع والسخاء والعبودية. دل عليه قوله - ﷺ -: "أنا سيد ولد

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon