يحتاج إلى فطنة وفقه، فناسب نفي الفقه في الأول، والثاني متصل بقوله: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ﴾ وفي معرفتها غموض زائد يحتاج إلى علم، فناسب نفي العلم عنهم.
فالمعنى: لا يعلمون أن الله معز أوليائه ومذل أعدائه.
وقرأ الجمهور (١): ﴿لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا﴾ الأذل بالبناء للفاعل، فالأعز فاعل والأذل مفعول. وقرأ الحسن وابن أبي عبلة: ﴿لنُخرجَنَّ﴾ بالنون، ونصب الأعز والأذل، فالأعز مفعول والأذل حال. وقرأ الحسن فيما ذكر أبو عمرو الداني ﴿لنَخرُجَنَّ﴾ بنون الجماعة مفتوحة وضم الراء، ونصب الأعز على الاختصاص، كما قالوا: نحن العرب أقرى الناس للضيف. ونصب الأذل على الحال، وحكى هذه القراءة أبو حاتم، وحكى الكسائي والفراء: أن قومًا قرأوا: ﴿لَيَخْرِجَنَّ﴾ بالياء المفتوحة وضم الراء، فالفاعل: الأعز، ونصب الأذل على الحال. وقرىء مبنيًا للمفعول وبالياء، الأعز مرفوع به، الأذل نصبًا على الحال ومجيء الحال بصورة المعرفة متأول عند البصريين. فما كان منها بأل فعلى زيادتها، لا أنها معرفة.
٩ - ولما ذكر سبحانه وتعالى قبائح المنافقين.. رجع إلى خطاب المؤمنين، مرغبًا لهم في ذكره فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله إيمانًا صادقًا ﴿لَا تُلْهِكُمْ﴾؛ أي: لا تشغلكم ﴿أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾؛ أي: الاعتناء بها والتمتع بها ﴿عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: عن أداء فرائضه من الصلاة، والزكاة، والحج وسائر ما أوجبه عليكم. يقال: ألهاه الشيء، إذا شغله؛ أي: لا يشغلكم (٢) الاهتمام بتدبير أمورها والاعتناء بمصالحها والتمتع بها عن الاشتغال بذكره تعالى من الصلاة وسائر العبادات المذكرة للمعبود. ففي ذكر الله مجاز، أطلق السبب وأريد المسبب.
قال بعضهم: الذكر بالقلب: خوف الله، وباللسان: قراءة القرآن، والتسبيح والتهليل، والتمجيد والتكبير، وتعلم علم الدين وتعليمه، وغيرها وبالأبدان: الصلاة وسائر الطاعات. والمراد: نهيهم عن التلهي بها؛ أي: عن ترك ذكر الله بسبب الاشتغال بها. وتوجيه النهي إليها للمبالغة بالتجوز بالسبب عن المسبب، كقوله تعالى: ﴿فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾. وقد ثبت أن المجاز أبلغ. وقال بعضهم: هو

(١) البحر المحيط.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon