الدعوة، ومن ثم قال: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾؛ أي: بعض ما أعطيناكم تفضلًا من غير أن يكون حصوله من جهتكم، ادخارًا للآخرة. فالمراد (١): الإنفاق الواجب، نظرًا إلى ظاهر الأمر، كما في "الكشاف"، ولعل التعميم أولى وأنسب بالمقام. ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ بأن يشاهد دلائله ويعاين أماراته ومخايله. وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام بما تقدم والتشويق إلى ما تأخر ولم يقل: من قبل أن يأتيكم الموت فتقولوا، إشارة إلى أن الموت يأتيهم واحدًا بعد واحد حتى يحيط بالكل. ﴿فَيَقُولَ﴾ عند تيقنه بحلوله: يا ﴿رَبِّ﴾؛ أي: يا ربي ويا مالك أمري ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي﴾؛ أي: هلا أخرتني وأمهلتني، فـ ﴿لَوْلَا﴾ للتحضيض. وقيل: لا زائدة للتأكيد ولو للتمني؛ بمعنى: لو أخرتني؛ أي: هلا أمهلتني وأخرت موتي ﴿إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ﴾ وأمد قصير وساعة أخرى قليلة، وقال أبو الليث: يا سيدي! ردني إلى الدنيا وأبقني زمانًا غير طويل. وفي "عين المعاني": مثل ما أجلت لي في الدنيا. ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾؛ أي: فأتصدق بمالي. وهو بقطع الهمزة؛ لأنها للتكلم وهمزته مقطوعة، وبتشديد الصاد؛ لأن أصله: أتصدق من التصدق، فأدغمت التاء في الصاد، وبالنصب؛ لأنه مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء في جواب التحضيض. أو التمني في قوله: ﴿لَوْلَا أَخَّرْتَنِي﴾. ﴿وَأَكُنْ مِنَ﴾ عبادك ﴿الصَّالِحِينَ﴾ المراعين لحقوق الله وحقوق العباد، بالجزم عطفًا في محل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾، كأنه قيل: إن أخرتني أصدق وأكن من الصالحين. وفيه إشارة إلى أن التصدق من أسباب الصلاح والطاعة، كما أن تركه من أسباب الفساد والفسق.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ بإدغام التاء في الصاد، وانتصابه على أنه جواب التمني. وقرأ أبي، وابن مسعود، وسعيد بن جبير: ﴿فأتصدق﴾ بالتاء بدون إدغام على الأصل. وقرأ الجمهور السبعة: ﴿وَأَكُنْ﴾ بالجزم عطفًا على محل ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾، كأنه قيل: إن أخرتني.. أصدق وأكن. وقرأ الحسن وابن جبير، وأبو رجاء، وابن أبي إسحاق، ومالك بن دينار، والأعمش، وابن محيصن وعبد الله بن الحسن العنبري، وأبو عمرو: ﴿وأكون﴾ بالنصب عطفًا على ﴿فَأَصَّدَّقَ﴾ وكذا في مصحف عبد الله وأبي، ولكن قال أبو عبيد: رأيت في مصحف عثمان ﴿أكن﴾ بغير
(٢) البحر المحيط.