وأنه صورهم فأحسن صورهم، وأنه يعلى السر والنجوى.. حذر المشركين من كفار مكة على تماديهم في الكفر والجحود بآياته وإنكار رسالة نبيه محمد - ﷺ -، وبين لهم عاقبة يحل بهم من العذاب في الدنيا والآخرة، وضرب لهم الأمثال بالأمم المكذبة من قبلهم، فقد كذبوا رسلهم وتمادوا في عنادهم وقالوا: أيرسل الله من البشر رسلًا؟ فحلت بهم نقمة ربهم وأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأصبحت ديارهم خرابًا يباسًا، كأن لم يغنوا بالأمس، فهلا يكون ذلك عبرة لهم فيثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا إلى ربهم لو كانوا من أرباب النهى؟
قوله تعالى: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر فيما سلف انكار المشركين للألوهية ثم إنكارهم للنبوة بقولهم: أبشر يهدوننا، ثم أعقبه بأنهم سيلقون الوبال والنكال جزاء ما فعلوا.. أردف ذلك بذكر إنكارهم للبعث، ثم إثبات تحققه، وأنه كائن لا محالة، وأن كل أمرىء سيجازى بما فعل يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد حين يغبن الكفار في شرائهم؛ لأنهم اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة، ويفوز المؤمنون في تجارتهم بالصفقة الرابحة، لأن الله اشترى منهم أموالهم وأنفسهم بالجنة فضلًا منه ورحمة.
قوله تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) ذكر فيما سلف أن الناس قسمان: كافر بالله مكذب لرسله لا يألو جهدًا في إيصال الأذى بهم، ومؤمن بالله مصدق لرسله، وهو يعمل الصالحات.. أردف ذلك ببيان أن ما يصيب الإنسان من خير وشر فهو بقضاء الله وقدره بحسب النظم التي وضعها في الكون، فعلى الإنسان أن يجد ويعمل ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء؛ لعلمه بأن ما فوق ذلك ليس في طاقته ولو يهوله أمره ولن يحزن عليه. ثم أمر بعد ذلك بطاعة الله وطاعة الرسول، وأبان أن تولي الكافرين عن الرسول لن يضيره شيئًا فإنه قد أدى رسالته، وما على الرسول إلا البلاغ، وأن على المؤمن أن يتوكل على الله وحده، وهو يكفيه شر ما أهمه.
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ...﴾ إلى آخر