السورة. مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما (١) أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، وذكر أن المؤمن ينبغي له أن يتوكل على الله تعالى ولا يعتمد إلا عليه.. ذكر هذا أن من الأولاد والزوجات أعداء لآبائهم وأزواجهم، يثبطونهم عن الطاعة ويصدونهم عن تلبية الدعوة لما فيه رفعة شأن الدين وإعلاء كلمته، فعليكم أن تحذروهم ولا تتعبوا أهواءهم حتى لا تكونوا إخوان الشياطين يزينون لكم المعاصي، ويصدونكم عن الطاعة. ثم أردف هذا ببيان أن الإنسان مفتون بماله وولده، فإنه ربما عصى الله تعالى بسببهما فغصب المال أو غيره لأجلهما، فعليه أن يتقي الله ما استطاع إلى ذلك سبيلًا ولينفق ذو سعة من سعته، فمن جاد بماله ووقى نفسه الشحّ.. فهو الفائز بخيري الدنيا والآخرة، ومن أقرض الله سبحانه قرضًا حسنًا.. فالله يضاعف له الحسنة بعشرة أضعافها إلى سبع مئة ضعف، وهو عالم بما يغيب عن الإنسان وما يشاهد له، وهو العزيز الحكيم في تدبير شؤون عباده.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية (٢): ما أخرجه الترمذي والحاكم، وصححاه عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: نزلت هذه الآية: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ...﴾ الآية. في قوم من أهل مكة أسلموا فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم يأتوا المدينة، فلما قدموا على رسول الله - ﷺ -.. رأوا الناس قد فقهوا، فهَمُّوا أن يعاقبوهم، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا...﴾ الآية.
وأخرج ابن جرير عن عطاء بن يسار قال: نزلت سورة التغابن كلها بمكة، إلا هؤلاء الآيات: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ...﴾ نزلت في عوف بن مالك الأشجعي، كان ذا أهل وولد، فكان إذا أراد الغزو.. بكوا إليه ووقفوه، فقالوا: إلى من تدعنا؟ فيرق ويقيم. فنزلت هذه الآية وبقية الآيات إلى آخر السورة بالمدينة.

(١) المراغي.
(٢) لباب النقول.


الصفحة التالية
Icon