قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...﴾ الآية، سبب نزول هذه الآية: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت: ﴿يَاتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ اشتد على القيم العمل، فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم، فأنزل الله تخفيفًا على المسلمين ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ﴾ سبحانه ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ أي: جميع ما فيهن من الروحانيات ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: وجميع ما فيها من الجسمانيات؛ أي: ينزهه سبحانه جميع ما فيهما من المخلوقات عما لا يليق بجناب كبريائه وعظمته، تنزيهًا مستمرًا، إما بلسان المقال؛ كأن يقبل: سبحان الله وبحمده، وإما بلسان الحال، وهو: الدلالة على وجوده وقدرته. ﴿لَهُ﴾ سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿الْمُلْكُ﴾ الدائم الذي لا يزول ولا يحول. والملك: كمال القدرة ونفاذ التصرف. ﴿وَلَهُ﴾ سبحانه لا لغيره ﴿الْحَمْدُ﴾ الحقيقي؛ لأنه الصانع المختار؛ أي (١): له حمد الحامدين، وهو: الثناء بذكر الأوصاف الجميلة والأفعال الجزيلة. وتقديم الجار والمجرور لدلالة على تأكيد الاختصاص، وازاحة للشبهة بالكلية، فإن اللام مشعر بأصل الاختصاص، قدم أو أخّر؛ أي: له الملك وله الحمد لا لغيره، إذ هو المبدىء لكل شيء، وهو القائم به، والمهيمن عليه المتصرف فيه كيف يشاء، وهو المولي لأصول النعم وفروعها، ولولا أنه أنعم بها على عباده لما قدر أحد على أدنى شيء، فالمؤمنون يحمدونه على نعمه، وله الحمد في الأولى والآخرة. وأما ملك غيره فاسترعاء من جنابه، وتسليط منه، وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده، فللبشر ملك وحمد من حيث الصورة لا من حيث الحقيقة.
﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ﴾ أراده ﴿قَدِيرٌ﴾ لا يعجزه شيء عما أراد؛ لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل سواء، فهو القادر على الإيجاد والإعدام والإسقام والإبراء، والإعزاز والإذلال، والتبييض والتسويد، ونحو ذلك من الأمور الغير المتناهية. قال بعضهم: قدرة الله تصلح للخلق، وقدرة العبد تصلح

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon