للكسب، فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق، والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب، فمن عرف أنه تعالى قادر.. خشي من سطوات عقوبته عند مخالفته، وأمل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته، لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومنته.
وكرر (١) ﴿مَا﴾ هنا وفي قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ تأكيدًا وتعميمًا للاختلاف، فناسب ذكر ما فيهما؛ لأن تسبيح ما في السماوات مخالف لتسبيح ما في الأرض، كثرة وقلة، ووقوعًا أو حيوان وجماد، وأسرارنا مخالفة لعلانيتنا فناسب ذكر ﴿مَا﴾ فيهما. ولم يكررها في قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لعدم اختلاف علمه تعالى، إذ علمه بما تحت الأرض كعلمه بما فوقها، وعلمه بما سيكون كعلمه بما كان، فناسب حذفها فيه.
والمعنى (٢): إن وجود ما في السماوات والأرض قال على تنزيه الله وكماله، وأن هذه المخلوقات مسخرة منقادة له، فهو المتصرف في جميع الكائنات والمحمود على جميع ما يخلق ويقدر؛ لأنه مصدر الخيرات ومفيض البركات، وهو على كل شيء قدير. فما أراد. ، كان بلا ممانع ولا مدافع، وما لم يشأ.. لم يكن.
٢ - ثم ذكر بعض مقدوراته تعالى، فقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾؛ أي: هو الذي أوجدكم كما شاء على ما شاء؛ أي: خلقكم أيها الناس خلقًا بديعًا حاويًا لجميع مبادىء الكمالات العلمية والعملية. ثم قسم هذا المخلوق، فقال: ﴿فَمِنكُمْ﴾؛ أي: فبعضكم، أو فبعض منكم ﴿كَافِرٌ﴾؛ أي: مختار للكفر كاسب به حسبما تقتضيه خلقته. ويندرج فيه المنافق؛ لأنه كافر مضمِر. وكان الواجب عليكم جميعًا أن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم. ﴿وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾؛ أي: مختار للإيمان كاسب له، ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذي لا تُفضي بدعته إلى الكفر.
وتقديم الكفر (٣) عليه لأنه الأنسب بمقام التوبيخ والأغلب فيما بينهم، ولذا يقبل الله سبحانه في موقف القيامة لآدم: "يا آدم أخرج بعث النار" يعني: ميز أهلها

(١) كشف ما يلتبس من القرآن.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon