المبعوث إليها. قال: وما بعث النار - أي: عدده -؟ قال الله: من كل ألف تسع مائة وتسعة وتسعون. وفي التنزيل: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ﴾. والإيمان أعظم شعب الشكر.
قال في "فتح الرحمن": الكفر فعل الكافر، والإيمان فعل المؤمن، والكفر والإيمان اكتساب العبد؛ لقول النبي - ﷺ -: "كل مولود يولد على الفطرة" وقوله تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار، وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته. فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار الإيمان، لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه، والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر؛ لأن الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه. وهذا طريق أهل السنة، انتهى.
ومعنى قوله: ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ﴾؛ أي (١): فبعضكم مختار للكفر كاسب له على خلاف ما تقتضيه فطرته، وبعضكم مختار للإيمان كاسب له بحسب ما تدعو إليه الفطرة، كما جاء في الحديث: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانِه". وقد كانت الأدلة الكونية في الأنفس والآفاق كفيلة أن تردكم إلى الحق، فتختاروا الإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتبعهما من سائر النعم، ولكنكم ما فعلتم ذلك، بل تفرقتم شيعًا وجحدتم الخالق وكفرتم بأنعمه عليكم بعد أن أفصح الصبح لذي عينين.
﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ مطلقًا ﴿بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم بذلك، فاختاروا منه ما يجديكم من الإيمان والطاعة وإياكم وما يرديكم من الكفر والعصيان؛ أي: وهو البصير بمن هو مستعد للهداية لصفاء نفسه وزكاء روحه، فيعطيه ما هو له أهل، ومن خبثت طويته وفسدت سجيته ودسّ نفسه بكبائر الذنوب والآثام.. سيجزى بما هو به حقيق من العذاب الأليم في جهنم ﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (٦٦)﴾.
٣ - وبعد أن ذكر نعمة خلق الإنسان.. ذكر النعمة الشاملة بخلق العالم كله على أتم ما يكون من الحكمة والعدل، فقال: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾؛ أي: أبدعهما وأوجدهما حال كون خلقهما متلبسًا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالحكمة البالغة المتضمنة