لمنافع الدين والدنيا والمراد: السماوات السبع والأرضون السبع، كما يدل عليه التصريح في بعض المواضع، قال تعالى: ﴿خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا﴾، وقال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ﴾.
فإن قلت (١): ما وجه عدم ذكر العرش والكرسي في أمثال هذا الموضع مع عظم خلقهما؟
قلت: إنهما، وإن كانا من السماء لأن السماء هو الفَلك والفَلك جسم شفاف محيط بالعالم، وهما أوسع الأفلاك إحاطة إلا أن آثارهما غير ظاهرة مكشوفة، بخلاف السماوات والأرض وما بينهما، فإنهما أقرب إلى المخاطبين المكلفين ومعلوم حالها عندهم، ومكشوفة آثارها ومنفعتها؛ ولهذا قالوا: إن الشمس تنضج الفواكه والقمر يلونها والكواكب تعطيها الطعم؛ إلى غير ذلك مما لا يتناهى، على أن التغيرات فيها أظهر، فهي على عظم القدرة أدل. وقد قال تعالى: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، وأكثر هذه الشؤون في عالم الكون والفساد الذي هو عبارة عن السماوات والأرض.
﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ و ﴿الفاء﴾ للتفسير؛ أي: صوركم أيها الناس أحسن تصوير وخلقكم في أحسن تقويم، حيث أودع فيكم من القوى، والمشاعر الظاهرة والباطنة ما نيط به جميع الكمالات البارزة والكامنة، وزينكم بصفوة صفات مصنوعاته، وخصكم بخلاصة خصائص مبدعاته، وجعلكم أنموذج جميع مخلوقاته في هذه النشأة، فلكم جمال الصورة وأحسن الأشكال، ولذا لا يتمنى الإنسان أن تكون صورته على خلاف ما هو عليه لكون صورته أحسن من سائر الصور ومن حسن صورته: امتداد قامته، وانتصاب خلقته. ولا يقدح في حسنه كون بعض الصور قبيحًا بالنسبة إلى البعض الآخر منهم؛ لأن الحُسْن - وهو: الجمال في الخلق - والخلق على مراتب، فالإنسان يضم روحًا هو من عالم الأرواح وبدنًا هو من عالم الأجسام. وأنشدوا:
وَتَزْعُمُ أَنَّكَ جِرْمٌ صَغِيْرٌ | وَفيْكَ انْطَوَى الْعَالَمُ الأَكْبَرُ |