وقرأ الجمهور: ﴿فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ بضم الصاد. وزيد بن علي والأعمش، وأبو رزين بكسرها، والقياس الضم. والتصوير: التخطيط والتشكيل.
﴿وَإِلَيْهِ﴾؛ أي: إلى الله سبحانه وتعالى ﴿الْمَصِيرُ﴾؛ أي: الرجوع في النشأة الأخرى لا إلى غيره استقلالًا أو اشتراكًا، فأحسنوا سرائركم باستعمال تلك القوى والمشاعر فيما خلقن له، حتى يجازيكم بالإنعام لا بالانتقام، فكم من صورة حسناء تكون في العقبى شوهاء بقبح السريرة والسيرة، وكم من صورة قبيحة تكون حسناء بحسنهما. وقد ثبت أن ضرس الكافر يوم القيامة مثل جبل أحد، وأن غلظ جسده مسافة ثلاثة أيام، وأنه يسوء خلقه فتغلظ شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته. وأن أهل الحنة ضوء وجوههم كضوء القمر ليلة البدر أو على أحسن كوكب دري في السماء، وهم جرْد مرْد مكحولون أبناء ثلاث وثلاثين، فطوبى لأهل اللطافة، وويل لأهل الكثافة.
٤ - ﴿يعلَمُ﴾ سبحانه ﴿مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ من الأمور الكلية والجزئية، والأحوال الجلية والخفية، فلا تخفى عليه خافية من أمرها، وهو يدبرها بحسب علمه الواسع وقدرته الشاملة. ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)﴾.
ثم خص بعض يعلمه عناية بأمره، إذ عليه الثواب والعقاب، فقال: ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾؛ أي: ما تسرونه فيما بينكم وما تظهرونه من الأمور فاجعلوا أعمالكم ظاهرها وباطنها وفق ما يطلبه منكم الدين والشرع لتنالوا الفوز برضوان الله وجميل مثوبته.
والتصريح (١) به مع اندراجه فيما قبله لأنه الذي يدور عليه الجزاء، ففيه تأكيد للوعد والوعيد وتشديد لهما. قال في "برهان القرآن": إنما كرر ﴿مَا﴾ في أول السورة لاختلاف تسبيح أهل الأرض وأهل السماء في الكثرة والقلة والبعد والقرب من المعصية والطاعة، وكذلك اختلاف ﴿مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ فإنهما ضدان، ولم يكرر ﴿مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لأن الكل بالإضافة إلى علم الله جنس واحد،