لا يخفى عليه شيء، كما مر لك في أول السورة ذكره.
وقرأ الجمهور (١): ﴿مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ بتاء الخطاب وعبيد عن أبي عمرو وأبان عن عاصم بالياء.
ثم علل علمه بما ذكر بقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾؛ أي: محيط علمه بجميع المضمرات المستكنة في صدور الناس بحيث لا تفارقها أصلًا، فكيف يخفى عليه ما يسرونه وما يعلنونه؟ لأنه تعالى محيط بجميع ما أضمره المرء في صدره واستكن في قلبه، فلا يخفى عليه ما يسر وما يعلن. وهذه الجملة مقررة لما قبلا من شمول علمه لكل معلوم، وهي تعليلية كما مرّ آنفًا. وإنما قيل لها: ذات الصدور وصاحبتها لملابستها لها وكونها مخزونة فيها. ففي الآية ترق من الأظهر إلى الأخفى؛ لأنه عالم بما في السماوات وما في الأرض وبما يصدر من بني آدم سرًا وعلنًا، وبما لم يصدر بعد بل هو مكنون في الصدور.
وإظهار الجلالة للإشعار بعلية الحكم وتأكيد اسحقلال الجملة قبل، وتقديم القدرة على العلم؛ لأن دلالة المخلوقات على قدرته بالذات وعلى علمه بما فيها من الاتفاق والاختصاص ببعض الجهات الظاهرة، مثل كون السماء في العلو والأرض في السفل، أو الباطنة؛ مثل: أن تكون السماء متحركة والأرض ساكنة إلى غير ذلك.
٥ - ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾ أيها المشركون، و ﴿الهمزة﴾ للاستفهام، و ﴿لَمْ﴾ للجحد، ومعناه: التحقيق والتقرير. ﴿نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾؛ أي: خبر قوم نوح ومن بعدهم من الأمم المصرة على الكفر ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبلكم، فيكون متعلقًا بـ ﴿كَفَرُوا﴾ أو من قبل هذا الوقت أو هذا العصيان والمعاداة، فيكون ظرفًا لـ ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ﴾. ﴿فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ عطف على ﴿كَفَرُوا﴾. والذوق وإن كان في التعارف للقليل لكنه مستصلح للكثير. والوبال: الثقل والشدة المترتبة على أمر من الأمور والعقوبة وأمرهم كفرهم فهو واحد الأمور، عبر عنه بذلك للإيذان بأنه أمر هائل وجناية عظيمة.

(١) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon