والمعنى (١): فذاقوا في الدنيا من غير مهلة ما يستتبعه كفرهم من الضرر والعقوبة، وأحسوه إحساس الذائق للطعوم. وفي إيراد الذوق رمز إلى أن ذلك المذوق العاجل شيء حقير بالنسبة إلى ما سيصيرون إليه من العذاب الأليم، ولذلك قال تعالى: ﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾؛ أي: مؤلم لا يقادر قدره. وفيه إخبار بأن ما أصابهم في الدنيا من الآلام والأوجاع والمصائب لم يكن كفارة لذنوبهم. وإلا.. لم يعذبوا في الآخرة، بخلاف المؤمنين، فإن ما أصابهم في الدنيا من ذلك يكون كفارة لذنوبهم على ما ورد في الأخبار الصحيحة.
ومعنى الآية (٢): ألم يبلغكم أيها المشركون من أهل مكة نبأ الذين كفروا بالرسل من قبلكم؛ كقوم نوح وهود وصالح، وغيرهم من الأمم التي أصرت على الكفر والعناد، كيف حلّ بهم عقاب ربهم وعظيم نقمته، وأرسل عليهم ألوانًا من العذاب لا قِبل لهم بها فمن صاعقة من السماء تجتاحهم إلى رجفة في الأرض تهلكهم إلى صيحة يعم الآذان تبيدهم وتجعلهم كأمس الدابر وتمحوهم من صفحة الوجود إلى طوفان يعم الأرض ويبتلعهم ﴿وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، وسيكون لهم عظيم النكال والوبال يوم تجزى كل نفس بما كسبت، إن الله سريع الحساب. وفي هذا الأسلوب تعجيب من حالهم، وأنه قد كان لهم في ذلك مدَّكَرٌ لو كانوا يستبصرون، وعبرة لو كانوا يعتبرون.
٦ - ثم بيَّن أسباب ما حل بهم من النقم، فقال: ﴿ذَلِكَ﴾؛ أي: ما ذكر من العذاب الذي ذاقوه في الدنيا وما سيذوقون في الآخرة. وهو مبتدأ، خبره ﴿بِأَنَّهُ﴾؛ أي: بسبب أن الشأن ﴿كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾؛ أي: بالمعجزات الظاهرة، والباء إما للملابسة أو للتعدية. ﴿فَقَالُوا﴾: عطف على ﴿كَانَتْ﴾. ﴿أَبَشَرٌ﴾؛ أي: آدمي مثلنا ﴿يَهْدُونَنَا﴾؛ أي: يرشدوننا إلى الله. والاستفهام للإنكار؛ أي (٣): قال كل قوم من المذكورين في حق رسولهم الذي أتاهم بالمعجزات، منكرين لكون الرسول من جنس البشر متعجبين من ذلك: أبشر وآدمي مثلنا يهدينا ويرشدنا إلى الدين أو إلى الله، والتقرب منه؟! كما قالت ثمود: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾. أنكروا أن يكون الرسول بشرًا، ولم ينكروا أن يكون المعبود حجرًا! وقد أجمل في الحكاية فأسند
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.