القول إلى جميع الأقوام، وأريد بالبشر الجنس فوصف بالجمع، كما أجمل الخطاب والأمر في قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ وارتفاع ﴿بشر﴾ عى أنه فاعل فعل مضمر يفسره ما بعده، فيكون من باب الاشتغال، وهو أولى من جعله مبتدأ وما بعده خبرًا؛ لأن أداة الاستفهام تطلب الفعل ظاهرًا أو مضمرًا.
﴿فَكَفَرُوا﴾؛ أي (١): بالرسل بسبب هذا القول؛ لأنهم قالوه استصغارًا لهم، ولم يعلموا الحكمة في اختيار الرسل بشرًا. ﴿وَتَوَلَّوْا﴾؛ أي: أعرضوا عن التدبر فيما أتوا به من البينات، وعن الإيمان بهم. ﴿وَاسْتَغْنَى اللَّهُ﴾؛ أي: أظهر استغناءه عن إيمانهم وطاعتهم حيث أهلكهم وقطع دابرهم، ولولا غناه تعالى عنهما.. لما فعل ذلك. وقال سعدي المفتي: هو حال، بتقدير ﴿قد﴾ وهو بمعنى (غني) الثلاثي، وليس استفعل هنا للطلب. والمراد: كمال الغنى، إذ الطلب يلزمه الكمال. وقال مقاتل: ﴿استغنى الله﴾ بما أظهره لهم من البرهان وأوضحه من المعجزات. وقيل: استغنى بسلطانه عن طاعة عباده.
﴿وَاللَّهُ غَنِيٌّ﴾ عن العالمين فضلًا عن إيمانهم وطاعتهم، ﴿حَمِيدٌ﴾: يحمده كل مخلوق بلسان الحال ويدل على اتصافه بالصفات الكمالية أو يحمده أولياؤه وإنا امتنع أعداؤه. والحمد: هو ذكر أوصاف الكمال من حيث هو كمال. ومن عرف أنه الحميد في ذاته وصفاته وأفعاله.. شغله ذكره والثناء عليه.
والمعنى (٢): إن ما حل بهم من سوء العذاب كان من جراء تكذيبهم بالرسل بعد أن جاؤوهم بالأدلة الواضحة والمعجزات الباهرة. وقالوا: إن من العجب العجاب أن يكون هدينا على يدي بشر منا لا ميزة لهم عنا بعقل راجح ولا بسلطان يتملكون به قيادنا ويجعل لهم بسطة النفوذ علينا، كما قالت ثمود: ﴿أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾؟! وقد جهلوا أن النبوة رسالة يصطفى بها الله من يشاء من عباده، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾.
٧ - وبعد أن طال عنادهم وتمادوا في غيّهم.. أهلكهم الله بسلطانه وجبروته وقطع دابرهم واستغنى عن إيمانهم، وهو الغني عن العالمين جميعًا، والغني عن إيمانهم
(٢) المراغي.