هاهنا الإشارة إلى أن في البعث إظهار كمال الربوبية المفيدة لتمام المعرفة وإلى دوام التربية بالنعم الجسمانية الظاهرة والنعم الروحانية الباطنة. وقوله: ﴿لَتُبْعَثُنَّ﴾ مع ما بعده جملة مستقلة داخلة تحت الأمر، واردة لتأكيد ما أفادته كلمة ﴿بَلَى﴾ من إثبات البعث، ولبيان تحقق أمر آخر متفرع عليه منوط به، ففيه تأكيد البعث بوجهين؛ أي: قل لهم: والله لتبعثن ثم لتخبرن باعمالكم وتحاسبون عليها وتجزون بها. وأصل ﴿لَتُبْعَثُنَّ﴾ لتبعثونن، حذفت نون الرفع لتوالي الأمثال وواو الجماعة لالتقاء الساكنين، كما سيأتي بسطه في مباحث الصرف.
﴿وَذَلِكَ﴾؛ أي: ما ذكر من البعث والجزاء ﴿عَلَى اللَّهِ﴾ سبحانه ﴿يَسِيرٌ﴾؛ أي: سهل لتحقق القدرة التامة وقَبول المادة. والمعنى؛ أي: ادعى المشركون أن لا بعث ولا حساب ولا جزاء، فقالوا: ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾، وقالوا: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾. فأمر الله رسولَه بالرد عليهم وابطال زعمهم بقوله: ﴿قُلْ بَلَى وَرَبِّي...﴾ إلخ؛ أي: قل لهم: إن البعث كائن لا محالة وإنكم، وربي الذي برأ الخلق وأنشأهم من العدم، ستحاسبن علي أعمالكم وتجزون على الكثير والقليل والنقير والقطمير، وذلك هين على الله يسير.
٨ - وبعد أن أبان لهم أدلة التوحيد والنبوة بما لا مجال معه للإنكار.. طالبهم بالإيمان بهما، فقال: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ و ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا كان الأمر هكذا، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم: يا أهل مكة صدقوا بالله الباعث من القبور المجازي على كل عمل ظاهر أو مستور، وبرسوله محمد - ﷺ - الذي أخبر عن شؤون الله تعالى وصفاته. ولم يقل: وباليوم الآخر على ما هو المناسب لقوله: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ إلخ، اكتفاء بقوله: ﴿وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ فإنه مشتمل على البعث والحساب. اهـ. "شيخنا". ﴿و﴾ آمنوا بـ ﴿النُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا﴾ على رسولنا محمد - ﷺ -، وهو القرآن الهادي لكم إلى سواء السبيل إذا تراكمت ظلمات الشبهات، والمنقذ لكم من الضلالة إذا أحاطت بكم الخطيئات. سمي نورًا لأنه بإعجازه بين بنفسه أنه حق نازل من عند الله تعالى، مبين لغيره ومظهر للحلال والحرام، كما أن النور كذلك. والالتفات إلى نون العظمة لإبراز كمال العناية.
ثم توعدهم على ما يأتون وما يذرون، فقال: ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الامتثال


الصفحة التالية
Icon